فقال مروان بن الحكم : يا أمير المؤمنين! مقاربتهم حتّى تقوى أمثل من مكاثرتهم على القرب ، فأعطهم ما سألوك ، وطاولهم ما طاولوك فإنّما هم بغوا عليك فلا عهد لهم ، فأرسل إلى عليّ فدعاه ، فلمّا جاءه قال :
يا أبا حسن! إنّه قد كان من الناس ما قد رأيت وكان منّي ما قد علمت ، ولست آمنهم على قتلي ، فارددهم عنّي ، فإنّ لهم الله عزوجل أن أعتبهم من كل ما يكرهون ، وأن اعطيهم من نفسي ومن غيري وإن كان في ذلك سفك دمي. فقال له عليّ : الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك ، وإنّي لأرى قوما لا يرضون إلّا بالرّضا ، وقد كنت أعطيتهم في قدمتهم الاولى عهدا من الله لترجعنّ عن جميع ما نقموا ، فرددتهم عنك ، ثمّ لم تف لهم بشيء من ذلك ، فلا تغرّني هذه المرّة من شيء ، فإنّي معطيهم عليك الحقّ.
قال : نعم ، فأعطهم فو الله لأفينّ لهم.
فخرج عليّ إلى الناس فقال : أيّها الناس! إنّكم إنّما طلبتم الحقّ فقد اعطيتموه ؛ إنّ عثمان زعم أنّه منصفكم من نفسه ومن غيره ، وراجع عن جميع ما تكرهون ، فاقبلوا منه ووكّدوا عليه.
قال الناس : قد قبلنا. فاستوثق منه لنا فإنّا والله لا نرضى بقول دون فعل.
فقال لهم عليّ : ذلك لكم ، ثمّ دخل عليه فأخبره الخبر.
فقال عثمان : اضرب بيني وبينهم أجلا يكون لي فيه مهلة فإنّي لا أقدر على ردّ ما كرهوا في يوم واحد.
قال عليّ : ما حضر بالمدينة فلا أجل فيه ، وما غاب فأجله وصول أمرك.
قال : نعم ، ولكن أجّلني في ما بالمدينة ثلاثة أيّام.
قال عليّ : نعم. فخرج إلى الناس فأخبرهم بذلك ، وكتب بينهم وبين عثمان كتابا أجّله فيه ثلاثا على أن يردّ كلّ مظلمة ، ويعزل كل عامل كرهوه ، ثمّ أخذ