فقال عثمان : أمّا أن أتبرأ من الإمارة فإن تصلبوني أحبّ إليّ من أن أتبرّأ من أمر الله عزوجل وخلافته ، وأمّا قولكم : تقاتلون من قاتل دوني ؛ فإنّي لا آمر أحدا بقتالكم ، فمن قاتل دوني فإنّما يقاتل بغير أمري ، ولعمري لو كنت اريد قتالكم لقد كتبت إلى الأجناد ، فقادوا الجنود ، وبعثوا الرجال أو لحقت ببعض أطرافي بمصر أو العراق ، فالله الله في أنفسكم ؛ أبقوا عليها إن لم تبقوا عليّ ؛ فإنّكم مجتلبون بهذا الأمر إن قتلتموني دما. قال : ثمّ انصرفوا عنه وآذنوه بالحرب وأرسل إلى محمّد بن مسلمة فكلّمه أن يردّهم فقال : والله لا أكذب الله في سنة مرّتين.
وفي رواية اخرى للبلاذري (١) :
إنّ المصريين لمّا قدموا فشكوا عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، سألوا عثمان أن يولي عليهم محمّد بن أبي بكر. فكتب عهده وولّاه ووجّه معهم عدّة من المهاجرين والأنصار ينظرون في ما بينهم وبين ابن أبي سرح ، فشخص محمّد بن أبي بكر وشخصوا جميعا ؛ فلمّا كانوا على مسيرة ثلاث من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير وهو يخبط البعير خبطا كأنّه رجل يطلب أو يطلب.
فقال له أصحاب محمّد بن أبي بكر : ما قصّتك وما شأنك؟ كأنّك هارب أو طالب.
فقال لهم مرّة : أنا غلام أمير المؤمنين ، وقال مرّة اخرى : أنا غلام مروان ، وجّهني إلى عامل مصر برسالة.
قالوا : فمعك كتاب؟
قال : لا. ففتّشوه ، فلم يجدوا معه شيئا ، وكانت معه إداوة قد يبست فيها شيء يتقلقل فحرّكوه ليخرج فلم يخرج ، فشقّوا الإداوة فإذا فيها كتاب من عثمان
__________________
(١) أنساب الأشراف ٥ / ٦٧ ـ ٦٨.