فقال له رجل من أهل الشام : خدعك العراقي ، خدعك العراقي ، قال : لا ، ولكن نصح لي (١).
ولمّا ان عضت الحرب معاوية كرّر على عليّ طلب الشام ، فأبى عليه ، ثمّ بان الانكسار في جيش معاوية ، فأشار عليهم عمرو بن العاص برفع المصاحف على الرماح يطلبون الرجوع إلى كتاب الله.
وقد أورد أخبارها الطبري وابن الأثير وابن كثير في تواريخهم ، واخترنا لفظ ابن الأثير لإيجازه ، قال :
فلمّا رأى عمرو ان أمر أهل العراق قد اشتد ، وخاف الهلاك ، قال لمعاوية : هل لك في أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلّا اجتماعا ، ولا يزيدهم إلّا فرقة؟
قال : نعم.
قال : نرفع المصاحف ، ثمّ نقول لما فيها هذا حكم بيننا وبينكم ، فإن أبى بعضهم أن يقبلها وجدت فيهم من يقول ينبغي لنا أن نقبل فتكون فرقة بينهم وان قبلوا ما فيها رفعنا القتال عنا إلى أجل ، فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا : هذا حكم كتاب الله عزوجل بيننا وبينكم ، من لثغور الشام بعد أهله ، من لثغور العراق بعد أهله.
وروى نصر بن مزاحم بسنده عن تميم بن حذلم أنّه قال :
لمّا أصبحنا من ليلة الهرير نظرنا ، فإذا أشباه الرايات أمام صفّ أهل الشام وسط الفيلق من حيال موقف معاوية ، فلما أسفرنا إذا هي المصاحف قد ربطت على أطراف الرّماح ، وهي عظام مصاحف العسكر ، وقد شدّوا ثلاثة أرماح جميعا وقد ربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشرة رهط. وقال أبو جعفر وأبو الطفيل : استقبلوا عليّا بمائة مصحف ، ووضعوا في كل مجنّبة مائتي مصحف ،
__________________
(١) الطبري ، ط. أوربا ١ / ٣٣٢٣ ، تاريخ الكامل لابن الأثير ٣ / ١٢٤ ـ ١٢٥.