ونذكر في ما يأتي مثالا واحدا من تخريب الزنادقة في أمر الوحي والقرآن ممّا انتشر في كتب التفسير والسيرة بمدرسة الخلفاء ، ورووا في ذلك عدّة روايات ملخّصها كالآتي :
إنّ الرسول (ص) تمنّى ذات يوم في قلبه أن لو نزل الوحي عليه في القرآن بما يقرّبه إلى قومه ، ويكون سببا لهدايتهم ، فأنزل الله تعالى عليه سورة النجم وهو في بيت الله الحرام فأخذ يتلوها بمسمع من المسلمين والمشركين إلى أن انتهى إلى قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) وهاهنا تدخّل الشيطان في قراءته وألقى على لسانه [تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى] فقرأها النبيّ (ص) كذلك ثمّ تلا بقية السورة. وبعد الانتهاء من قراءة السورة سجد النبيّ (ص) والمسلمون لذكر الله ، وسجد المشركون لما سمعوا من الثناء على أصنامهم (اللّات والعزّى ومناة الثالثة الاخرى) ، ولمّا أمسى الرسول (ص) أتاه جبرائيل وأنبأه بأن جملتي [تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى] الّتي قرأهما الرسول (ص) ضمن السورة ، لم يتلهما جبرائيل عليه وإنّما ذلكم الشيطان الّذي ألقاهما على لسانه. فحزن النبيّ (ص) لذلك فأنزل الله عليه قوله تعالى :
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ...) (الحجّ / ٥٢). ثمّ انتشر هذا الخبر حتّى بلغ المسلمين المهاجرين إلى الحبشة بأنّ المشركين أسلموا وسجدوا مع المسلمين ، فرجع بعضهم إلى مكّة المكرّمة وشاهدوا خلاف ما بلغهم ، فبقي البعض منهم ورجع الآخرون إلى مهجرهم. ونسجل هاهنا صورة رواية واحد منها في تفسير الطبري (١) بسنده :
__________________
(١) تفسير الطبري ، تفسير سورة النجم ١٧ / ١٣.