والمقرئ من امتهن تعليم القرآن كذلك ، كما برهنّا على ذلك في بحث المصطلحات القرآنية في الجزء الأوّل من القرآن الكريم وروايات المدرستين ، والحمد لله.
والجامع من حفظ جميع القرآن عن ظهر قلب ، وقد جمع الله القرآن أوّلا في قلب رسوله (ص) ، وكان الرسول (ص) أوّل جامع للقرآن فقد حفظ القرآن عن ظهر قلب مع كلّ ما اوحي إليه في بيان آياته ، وكان جبرائيل (ع) يقارئه في كلّ شهر رمضان كلّ ما أنزل الله من القرآن إلى تاريخه ، وعارضه القرآن في آخر سنة من حياته مرّتين ، وقام الرسول (ص) بإقراء القرآن كذلك مصداقا لقوله تعالى : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ). (الأنعام / ١٩)
ونهض الرسول (ص) بأعباء التبليغ بكل ما استطاع إليه سبيلا في نوعين من التبليغ :
أ ـ نشر تلاوة القرآن في صلاته (ص) في البيت في مواسم الحج :
لمّا كان دأب القبائل العربية الاجتماع في أسواقهم حول مكة : ذي المجاز وعكاظ وعرفات وغيرها في الأشهر الحرم ، والاستماع إلى قصائد شعرائهم وحفظهم إياها عن ظهر قلب وترديدها على مسامع من لم يحضر الموسم منهم وكانت السور المكية أقصر من تلك القصائد وأعلى بلاغة منها وفيها من المعاني الرفيعة ما لم يسمعوها قبل ذلك ، لذا كانوا يتهافتون إلى استماع تلاوة الرسول (ص) في صلاته ويحفظونها عن ظهر قلب وينقلونها إلى حيث ما بلغ بهم المسير ، كما مرّ بنا قول عمرو بن سلمة الجرمي :
كنت أتلقّى الركبان فيقرءوني حتّى جمعت قرآنا كثيرا ، وكان يومذاك صغير السنّ ، وإذا كان هذا شأن صغيرهم في شبه الجزيرة العربية ، فكيف كان حال ذوي السنّ والشأن منهم في هذا الأمر.