وعرفنا أنّهم كذلك كانوا يكتبون القرآن مع ما تعلّموه في تفسيره في مصاحفهم وأن الخليفة أبا بكر قال : لا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه.
وأفصح الخليفة عمر عن الهدف ورفع شعار جرّدوا القرآن من حديث الرسول ، وبدءوا بتدوين القرآن مجرّدا من حديث الرسول (ص) في عهد أبي بكر ، وتمّ الأمر على عهد الخليفة عمر ، فأودعه عند ابنته امّ المؤمنين حفصة ، ونهى عن نشر حديث الرسول (ص) ، وأحرق المكتوب منه ، وعاقب ونكّل بمن سأل عن تفسير القرآن ، وأخذ مصحفا كان لرجل قد كتب عند كل آية تفسيرها ، فقرض التفسير بالمقراضين.
وعلى عهد الخليفة عثمان ، استعار المصحف المودع عند امّ المؤمنين حفصة ، ونسخ عليه سبع نسخ ، ووزّعها على امّهات البلاد الإسلامية ، وأمر بإحراق سائر المصاحف ، وأبى ابن مسعود أن يسلّم مصحفه ، فجرى بينه وبينهم ما جرى.
ومرّ بنا أنّ سبب تجريد القرآن من حديث الرسول (ص) والنهي عن رواية حديثه ما كان فيه من مدح لأشخاص وذمّ لآخرين ممّا يخالف سياسة الحكم ، ولهذا السبب كان الخليفة عمر والخليفة معاوية يقولان : لا تحدّثوا عن رسول الله (ص) إلّا في ما يعمل به.
وكان في الصحابة من يسمع من غيره ويقول : قال رسول الله (ص) ، وكان فيهم مثل الصحابي الراوية أبي هريرة الّذي كان يروي ما سمعه من كعب الأحبار عن رسول الله (ص) ، ولذلك ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة.
وعلى عهد معاوية كتب إلى عماله أن يدعوا الناس إلى رواية فضائل عثمان ويدنوا مجالس من يروي فضائله ومناقبه ويقربوهم ويكرموهم ويكتبوا إليه بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته ، ففعلوا ذلك حتّى