وأخذوها منه وحده وبعضها كان عند من كان خارج المدينة فيكتبون ما قبلها وما بعدها ويتركون كتابتها حتّى يأتي الرجل ويملي عليهم الآية.
وإنّ الخليفة عمر سأل عن آية فقيل له : كانت مع فلان واستشهد يوم اليمامة وأين كان منهم ثلاثة آلاف من القرّاء الذين اشتركوا في قتال اليمامة ولم يقتل منهم أكثر من خمسين؟
ليس من المعقول أن تجري تلك المحاورات بين الصحابة ومنهم زيد جامع القرآن على عهد الرسول ومعهم في المدينة آلاف القرّاء وما لا نعرف عدده من المصاحف ، فلا بدّ إذا أن تلكم الروايات رويت بادئ بدء خارج المدينة وانتشرت في غيرها من البلاد ثمّ انتقلت متدرجا إلى المدينة بعد عصر الصحابة والتابعين ودوّنت في عصر التدوين في كتب الحديث ، ولعلّ سبب التناقض في روايات جمع القرآن أن بعض الرواة أسند جمع القرآن إلى الخليفة عثمان عملا بأمر الخليفة معاوية في رواية الحديث في فضائله ، وبعد أمره الثاني أن يرووا من فضائل الخليفتين الأوّلين أسند بعضهم ذلك إلى الخليفة أبي بكر وآخرون إلى الخليفة عمر ، وهكذا وجدت الروايات المتناقضة في شأن القرآن.
لست أدري كيف يفترى على الله أنّه أهمل التوصية بجمع القرآن وتدوينه وعلى رسوله (ص) وأصحابه أنّهم أهملوا جمع القرآن وتدوينه وأضافوا إلى ذلك ما رووه عنهم في ضياع آيات من القرآن وقد قال الله سبحانه : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)؟ والأنكى من كل ذلك أنّهم يسمّون هذه الروايات بالصحيحة لأنّهم يرون عصمة صحيحي البخاري ومسلم عن إيراد غير الصحيح فيهما ولا يرون ذلك لكتاب الله العظيم ولرسوله الكريم ، (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).