فرضنا عدم جريان الأصل ، لما عرفت من ثبوت ذلك في العلم التفصيلي.
فملخّص الكلام : أن المخالفة من حيث الالتزام ليست مخالفة ، ومخالفة الأحكام الفرعية إنّما هي في العمل ، ولا عبرة بالالتزام وعدمه.
ويمكن أن يقرّر دليل الجواز ـ أي : جواز المخالفة فيه ـ بوجه أخصر : وهو أنه لو وجب الالتزام ، فإن كان بأحدهما المعيّن واقعا فهو تكليف من غير بيان ولا يلزمه أحد ، وإن كان بأحدهما على وجه التخيير فهذا لا يمكن أن يثبت بذلك الخطاب الواقعي المجمل ، فلا بدّ له من خطاب آخر ، وهو مع أنه لا دليل عليه غير معقول ، لأن الغرض من هذا الخطاب
____________________________________
(وكذلك لو فرضنا عدم جريان الأصل).
والحاصل أن المحرّم في الشرع هو المخالفة من حيث العمل لا المخالفة من حيث الالتزام ، فلا يحرم عدم الالتزام ولو فرضنا عدم جريان الأصل في باب دوران الأمر بين المحذورين وقلنا باختصاص أدلة البراءة بموارد الشك البدوي ، لأن عدم جريان الأصل لا يكون موجبا لحرمة المخالفة الالتزامية.
(لما عرفت من ثبوت ذلك).
أي : عدم حرمة المخالفة الالتزامية ، وعدم تحقّق المعصية في مورد العلم التفصيلي مع أن الأصل لا يجري في مورد العلم التفصيلي بالاتّفاق.
(ويمكن أن يقرّر دليل الجواز ـ أي : جواز المخالفة فيه ـ بوجه أخصر).
والمستفاد من كلامه السابق إلى هنا هو عدم الدليل على وجوب الالتزام ، وكذا عدم الدليل على عدم وجوبه.
ثم من هنا يبدأ رحمهالله بإقامة الدليل على عدم وجوب الالتزام ثم يثبت جواز المخالفة من حيث الالتزام بالدليل.
وبيان الدليل : أنه لو كان الالتزام واجبا في مورد العلم الإجمالي لكان واجبا ؛ إمّا بالتخيير أو بالتعيين ، والتالي بكلا قسميه باطل ، فالمقدّم مثله ، ولا بدّ في القياس الاستثنائي من اثبات الملازمة أولا ، وبطلان التالي ثانيا حتى ينتج رفع التالي رفع المقدم فنقول : إن الملازمة واضحة لأن الواجب في الشرع ؛ إمّا تخييري أو تعييني. فلو كان الالتزام واجبا لكان بأحد القسمين.