المفروض كونه توصّليا حصول مضمونه ، أعني : ايقاع الفعل أو الترك تخييرا ، وهو حاصل من دون الخطاب التخييري ، فيكون الخطاب طلبا للحاصل ، وهو محال ، الّا أن يقال : إنّ المدّعي للخطاب التخييري إنّما يدعي ثبوته بأن يقصد منه التعبّد بأحد الحكمين ، لا مجرد حصول مضمون أحد الخطابين الذي هو حاصل ، فينحصر دفعه حينئذ بعدم الدليل ، فافهم هذا.
____________________________________
ثم بطلان القسم الثاني من التالي وهو الوجوب التعييني واضح لا يحتاج اثباته إلى تكلّف ، إذ يكون معناه هو وجوب الالتزام بخصوص الحكم الواقعي المعيّن عند الله المجهول عند المكلّف ، فيلزم تكليف المكلّف بما لا يعلمه ، وهذا تكليف بلا بيان والتكليف كذلك قبيح عقلا ولم يقل به أحد شرعا.
وبقي بطلان القسم الأول من التالي وهو كون وجوب الالتزام وجوبا تخييريا فنقول : إن كل حكم يحتاج ثبوته في الشرع إلى دليل دالّ عليه ، ولم يكن في الشرع دليل دالّ على التخيير وذلك لأن الدليل لو كان لكان ؛ إمّا الخطاب المجمل ، أو غيره.
ولا يمكن اثبات التخيير بنفس ذلك الخطاب المجمل ، كالأمر بدفن الكافر المردّد بين الإيجاب فيكون الدفن واجبا وبين التهديد ، فيكون محرّما لأن المستفاد من هذا الدليل هو الوجوب أو الحرمة فقط ، فلا دليل يدلّ على التخيير أصلا ، فضلا عن الالتزام.
والخلاصة أن نفس الخطاب لا يمكن أن يكون دليلا ، فلو كان فلا بدّ أن يكون خطابا آخر ، ثم الخطاب الآخر ؛ إمّا خطاب توصّلي أو تعبّدي ، والأول مردود بوجهين :
الوجه الأول : هو عدم الدليل على وجود هذا الخطاب في الشرع.
والوجه الثاني : أنه غير معقول لأنه مستلزم لطلب ما هو حاصل وهو محال ، وذلك لأن المكلّف قبل هذا الخطاب لا يخلو تكوينا من الفعل أو الترك ، والمطلوب من هذا الخطاب ـ أيضا ـ هو تخيير المكلّف بين الفعل والترك ، فليس هذا الّا طلبا للحاصل ، فإذا انتفى التخيير بهذا البيان ينتفي وجوب الالتزام لأجل انتفاء موضوعه.
الثاني ، أي : الخطاب التعبّدي مردود لأجل عدم الدليل عليه ، ولا يرد عليه الإشكال المتقدم حتى يكون مردودا بالوجهين المذكورين في الخطاب التوصّلي فينحصر دفعه بعدم الدليل على ثبوته ، فتحصّل من الجميع بطلان التالي بكلا شقّيه ، فالنتيجة تكون عدم