قلت : أصالة الطهارة في كل منهما بالخصوص إنّما توجب جواز ارتكابه من حيث هو ، وأمّا الإناء النجس الموجود بينهم فلا أصل يدل على طهارته ، لأنّه نجس يقينا ، فلا بدّ ؛ إمّا من اجتنابهما تحصيلا للموافقة القطعية ، وإمّا أن يجتنب أحدهما فرارا عن المخالفة القطعية ، على الاختلاف المذكور في محلّه.
هذا ، مع أن حكم الشارع بخروج مجرى الأصل عن موضوع المكلّف به الثابت بالأدلة الاجتهادية لا معنى له الّا رفع حكم ذلك الموضوع ، فمرجع أصالة الطهارة إلى عدم وجوب
____________________________________
فيكون حاكما على ما دلّ على ثبوت التكليف.
ففي المقام أصالة الطهارة في كل واحد من الإنائين تخرجهما عن موضوع ما دلّ على وجوب الاجتناب عن النجس ، فلا يكون في ارتكابهما بعد الحكم بطهارتهما بحكم من الشارع حيث قال : (كل شيء طاهر حتى تعلم أنّه نجس) (١) مخالفة عملية لقول الشارع : اجتنب عن النجس.
(قلت : أصالة الطهارة في كل منهما بالخصوص إنّما توجب جواز ارتكابه من حيث هو ... إلى آخره) وما أجاب به المصنّف يرجع إلى الجوابين :
الأول : أن الأصل في أطراف العلم الاجمالي يجري ، ولكن في كل طرف مع قطع النظر عن العلم الاجمالي ، فيوجب جواز ارتكاب كل طرف مع قطع النظر عن الحكم المعلوم ، فالأصل لا يرفع ما هو النجس الموجود بينهما مع أن التكليف بوجوب الاجتناب قد تنجّز بالعلم الاجمالي ، فلا بدّ من الاجتناب عن كلا الإنائين تحصيلا للموافقة القطعية ، أو عن أحدهما فرارا من المخالفة القطعية ، فلا يجري الأصل للزوم المخالفة العملية.
ثم أشار إلى الجواب الثاني بقوله :
(هذا ، مع أن حكم الشارع بخروج مجرى الأصل ... إلى آخره).
هذا الجواب يرجع إلى الفرق بين الأصل الجاري في السابق في الشبهة الموضوعية ، مثل : أصل تعلّق الحلف بالوطء أو تركه ، وبين الأصل في المقام بعد تسليم شمول أدلة الاصول موارد العلم الإجمالي.
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٦٧ ، أبواب النجاسات ، ب ٣٧ ، ح ٤. وفيه : (كل شيء نظيف حتى تعلم أنّه قذر ...).