بيان أنّ المراد من قوله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا)(١) بيان الترخيص في أصل تشريع القصر وكونه مبنيا على التخفيف ، فلا ينافي تعيّن القصر على المسافر وعدم صحة الإتمام منه ، ومثل هذه المخالفة للظاهر تحتاج إلى التفسير بلا شبهة.
وقد ذكر زرارة ومحمد بن مسلم للإمام عليهالسلام : إن الله تعالى قال : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) ولم يقل : افعلوا؟ فأجاب عليهالسلام : (بأنّه من قبيل قوله تعالى : (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ
____________________________________
على ما لا ينافي الإطلاق ، فنقول :
إن المراد به تفسير ما يحتاج إلى التفسير وهو خلاف الظاهر ، فيجوز العمل بظواهر القرآن بمقتضى الإطلاق ، فبأصالة الإطلاق في باقي الروايات نرفع الإجمال عن هذا الخبر المقيّد بالتفسير ، فلا بدّ من إثبات إرادة خلاف الظاهر من آية القصر حتى تحتاج إلى التفسير وهي قوله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) ، (بيان الترخيص في أصل تشريع القصر).
ولتوضيح المراد من الآية نقول : إنّ هنا مقامان :
الأول : مقام الجعل وتشريع الحكم وهو في المقام جعل وجوب الصوم في السفر للمسافر كجعل وجوب السعي بين الصفا والمروة لمن حجّ البيت.
والثاني : مقام المجعول بعد تحقّق الجعل ، وهو نفس الوجوب ، وظاهر لا جناح لكم أن تقصّروا في الآية المستفاد منه الجواز والترخيص ، أنّه راجع إلى المجعول أي : المجعول هو الترخيص ، فينافي أن يكون المجعول هو الوجوب ولكن اريد من الآية ما هو خلاف ظاهرها وهو كون الترخيص المستفاد من (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) راجعا إلى أصل الجعل يعني : لا جناح ، ولا بأس بأن يجعل الشارع وجوب الصوم في السفر للمسافر تخفيفا وتسهيلا له ، فلا ينافي ترخيص الجعل وجوب المجعول ، وهو التكليف الوجوبي ، فالمراد من الآية في المقام هو عدم الجناح والترخيص في أصل الجعل والتشريع ، وهو خلاف ظاهرها ، فلذا قال الإمام عليهالسلام : (إن قرئت عليه وفسّرت له) إذ إرادة خلاف الظاهر منها يحتاج إلى التفسير ، فلا ينافي إطلاق ما دلّ على جواز العمل بظواهر القرآن من دون حاجة إلى التفسير ، فلا
__________________
(١) النساء : ١٠١.