فحينئذ لا يجوز لنا القطع بمراده ولا يحصل لنا الظن به ، والقرآن من هذا القبيل ، لأنه نزل على اصطلاح خاص ، لا أقول على وضع جديد ، بل أعمّ من أن يكون ذلك أو تكون فيه مجازات لا يعرفها العرب ، ومع ذلك قد وجدت فيه كلمات لا يعلم المراد منها ، كالمقطعات.
ثم قال : قال سبحانه : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ)(١) الآية ، ذمّ على اتباع المتشابه ، ولم يبين لهم المتشابهات ما هي ، وكم هي ، بل لم يبين لهم المراد من هذا اللفظ ، وجعل البيان موكولا إلى خلفائه ، والنبي صلىاللهعليهوآله نهى الناس عن التفسير بالآراء ، وجعلوا الأصل عدم العمل بالظن إلّا ما أخرجه الدليل.
إذا تمهدت المقدّمتان ، فنقول : مقتضى الاولى العمل بالظواهر ، ومقتضى الثانية عدم
____________________________________
الأول.
ثم يذكر المطلب الثاني وهو : إن القرآن يكون متشابها بالعرض ، وذلك حيث قال تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ)(٢) ، لم يبيّن المراد من المتشابهات لا كمّا ولا كيفا ، فأصبح المتشابه متشابها مفهوما ، فقد صار القرآن متشابها بالعرض ، فيكون هذا المطلب ـ أيضا ـ دليلا على منع الصغرى ، أي : لا ظهور للقرآن لكونه متشابها ، ولو بالعرض.
ثم يبيّن المطلب الثالث فيقول : والنبي صلىاللهعليهوآله نهى الناس عن التفسير بالآراء ؛ فيكون هذا دليلا على عدم جواز العمل بالقرآن ؛ لأنّه تفسير بالرأي.
المطلب الرابع وهو قوله : وجعلوا الأصل عدم العمل بالظنّ الّا ما أخرجه الدليل ، فيكون مقتضى هذا المطلب هو منع الكبرى ـ أي : عدم جواز العمل بالظنّ الحاصل من ظاهر القرآن ـ.
فالمستفاد من هذا الكلام هو أنّ للقرآن ظواهر ، ولكن جعلوا الأصل عدم العمل بالظنّ الّا ما أخرجه الدليل ؛ وهو ظواهر الأخبار ، وقد قام إجماع الأصحاب على حجّيتها. هذا تمام الكلام في المقدّمتين اللّتين ذكرهما السيد.
ثم قال : (مقتضى الاولى العمل بالظواهر) ، إذ قد تقدّم أن المتعارف بين الناس في مقام
__________________
(١) آل عمران : ٧.
(٢) آل عمران : ٧.