إنّ الأولويّة الظنّية أوهن بمراتب من الشهرة ، فكيف يتمسّك بها في حجّيتها مع أن الأولويّة ممنوعة رأسا للظن ، بل العلم بأنّ المناط والعلّة في حجّية الأصل ليس مجرّد إفادة الظنّ؟!
____________________________________
العلم والقطع بكون المناط هو الظّن في حجّية خبر العادل.
ومنها : أن يكون الظّن الحاصل من الشهرة أقوى من الظّن الحاصل من خبر العادل ، هذا ما يبتني عليه الاستدلال بالأولويّة ، فإذا انتفى أحد هذه الامور لم يصحّ الاستدلال بالأولويّة كما لا يخفى.
ثمّ يردّ المصنّف رحمهالله هذا الاستدلال.
أولا : بمنع الأمر لإمكان عدم كون مناط الحجّية في خبر العادل هو الظّن ، بل يمكن أن يكون اعتباره من باب التعبّد فقط ، هذا أولا.
وثانيا : يمكن منع الأمر الثاني وهو العلم بكون المناط هو الظّن.
نعم ، يمكن حصول الظّن بأنّ المناط هو الظّن ، ولكن هذا الظّن لم يكن مفيدا في صحة الاستدلال ، بل الاستدلال بالأولويّة ضعيف ، كما أشار إلى وجه الضعف بقوله : (إنّ الأولويّة الظنّية أوهن بمراتب من الشهرة) ؛ لأنّ مرجع هذا الاستدلال هو القياس. ومعلوم أنّ القياس يكون أدنى بمراتب من الشهرة ، وذلك لأنّ الشهرة تكون مظنون الحجّية ، أو محتملها ، والقياس ليس بمظنون الحجّية ولا بمحتملها ، بل يقطع بعدم حجّيته للنهي عنه (فكيف يتمسّك بها في حجّيتها) إذ لا يعقل أن يستدل بما ليس بحجّة قطعا لإثبات حجّية ما هو مظنون الحجّية. هذا ملخّص الكلام في ردّ الأمر الثاني من الامور المتقدمة.
وقد أشار إلى ردّ الأمر الأول بقوله : (مع أن الأولويّة ممنوعة رأسا للظن ، بل العلم بأنّ المناط والعلّة في حجّية الأصل ليس مجرّد إفادة الظن) إذ يمكن أن يكون مناط الحجّية في خبر العادل هو التعبّد فقط.
فالحاصل أنّ ما تخيله هذا البعض ضعيف جدّا(ووقع نظيره من الشهيد الثاني في المسالك ، حيث وجّه حجّية الشياع الظنّي بكون الظن الحاصل منه أقوى من الحاصل من شهادة العدلين) فإذا كانت شهادتهما حجّة في الموضوعات بملاك كونها مفيدة للظن لكان الشياع أولى بالحجّية لقوة الظن فيه.