أحدهما : كونها مقطوعة الصدور أو غير مقطوعة ، فقد ذهب شرذمة من متأخّري الأخباريّين ، فيما نسب إليهم إلى كونها قطعيّة الصدور ، وهذا قول لا فائدة في بيانه والجواب عنه إلّا التحرّز عن حصول هذا الوهم لغيرهم كما حصل لهم ، وإلّا فمدّعي القطع لا يلزم بذكر ضعف مبنى قطعه ، وقد كتبنا في سالف الزمان في ردّ هذا القول رسالة تعرّضنا فيها لجميع ما ذكروه وبيان ضعفها بحسب ما أدّى إليه فهمي القاصر.
____________________________________
خلاف في أصل وجوب العمل بالأخبار الموجودة في الكتب المعروفة ، فإنّ وجوب العمل بها يكون موردا للاتفاق مع قطع النظر عن كونها قطعية الصدور ، وعدم كونها كذلك ، وكونها ظنونا خاصة ، أو مطلقة ، وكونها أخبار آحاد أو متواترة ، أو آحادا مقرونة بالقرائن.
وبالجملة ـ مع قطع النظر عن هذه الاختلافات ـ يكون ما في الكتب المعروفة مرجعا للعلماء في الأحكام مع اختلاف مذاهبهم في العمل فيها ، فأصل وجوب العمل بها في الجملة يكون ممّا لا خلاف فيه (بل لا يبعد كونه) ، أي : وجوب العمل بها(ضروريّ المذهب) ، أي : شعار المذهب ، فلم تكن الضرورة هنا بمعناها الحقيقي ، حتى لا يكون غير العامل بها كافرا.
(وإنّما الخلاف في مقامين : أحدهما : كونها مقطوعة الصدور ، أو غير مقطوعة ... إلى آخره) ؛ لأنّ بعض الأخباريين كالمحدّث الأسترآبادي ، والشيخ الحر العاملي قدسسرهما ذهبا إلى كونها قطعية الصدور على ما نسب إليهما وهو باطل ، إذ لو كانت الأخبار الموجودة في الكتب الأربعة مقطوعة الصدور لما كانت متعارضة ، ولم يبق مجال لبيان المرجّحات ، وأخبار العرض على الكتاب ، وغيرها من التوالي الفاسدة ، ومن يريد التفصيل فعليه بالمطولات.
ثمّ يقول المصنّف رحمهالله : (لا فائدة في بيانه والجواب عنه إلّا التحرّز عن حصول هذا الوهم لغيرهم) وفائدة ذكر هذا القول يكون منحصرا في أن لا يحصل هذا الوهم للآخرين كما حصل لهم (وإلّا فمدّعي القطع لا يلزم بذكر ضعف مبنى قطعه ... إلى آخره).
ولو قطعنا النظر عن الفائدة المذكورة ، وهي تنبيه الآخرين على بطلان هذا الوهم لئلّا يحصل لهم ، فلا فائدة اخرى لتعرض هذا القول ، إذ لا يؤثر لمن قطع بصدور هذه الأخبار