أوّلا : منع ما ذكره من عدم كون قبح التجرّي ذاتيا لأنّ التجرّي على المولى قبيح ذاتا ، سواء كان لنفس الفعل أو لكشفه عن كونه جريئا [كالظلم ، بل هو قسم من الظلم] فيمتنع عروض الصفة المحسّنة له ، وفي مقابله الانقياد لله سبحانه ، فإنّه يمتنع أن تعرض له جهة مقبّحة.
وثانيا : أنّه لو سلّم أنّه لا امتناع في أن تعرض له جهة محسّنة ، لكنّه باق على قبحه ما لم يعرض له تلك الجهة ، وليس ممّا لا يعرض له في نفسه حسن ولا قبح إلّا بملاحظة ما يتحقّق في ضمنه.
وبعبارة اخرى : لو سلّمنا عدم كونه علّة تامّة للقبح ، كالظلم ، فلا شكّ في كونه مقتضيا له ، كالكذب ، وليس من قبيل الأفعال التي لا يدرك العقل بملاحظتها في أنفسها حسنها ولا قبحها ، وحينئذ فيتوقف ارتفاع قبحه على انضمام جهة يتدارك بها قبحه كالكذب المتضمّن لإنجاء نبيّ.
____________________________________
ذكرنا أنّ الأشياء بالنسبة إلى كل واحد من القبح والحسن ثلاثة أنحاء :
قسم : ما يكون قبحه ذاتيا كالظلم ، أو حسنه ذاتيا كالإحسان.
وقسم : ما يقتضي القبح كالكذب ، أو الحسن كالصدق.
وقسم : ما لا يقتضي شيئا منهما ، وما ذكره صاحب الفصول يبتني على أن يكون التجرّي من القسم الثاني أو الثالث ، والمصنّف رحمهالله يقول : إنّ التجرّي من القسم الأول ، فيكون قبحه ذاتيا لا ينفك عنه ولا يطرأ عليه الحسن حتى يعارض قبحه ، كما أنّ الانقياد يكون حسنه ذاتيا لا يعرض عليه جهة مقبّحة ، فيكون التجرّي قبيحا في جميع الموارد ، سواء قطع بتحريم ما هو مباح في الواقع أو واجب توصّلي أو مكروه ، فعلى المشهور يوجب استحقاق العقاب في جميع الموارد لأنّ قبحه عندهم فعلي ، وعند الشيخ رحمهالله لا يوجب استحقاق العقاب مطلقا ، لأنّ قبحه عنده فاعلي ، فما ذكره صاحب الفصول من التفصيل مردود.
(وثانيا أنّه لو سلّم ... إلى آخره).
يعني : لو تنزّلنا عن كون التجرّي علّة تامّة للقبح وهو القسم الأول ، فنقول : إنّه من القسم الثاني الذي يقتضي القبح كالكذب لا من القسم الثالث الذي لا يقتضي القبح ولا الحسن ،