ومن المعلوم أنّ ترك قتل المؤمن ـ بوصف أنّه مؤمن في المثال الذي ذكره ـ كفعله ليس من الامور التي تتّصف بحسن أو قبح للجهل بكونه قتل مؤمن ، ولذا اعترف في كلامه بأنّه لو قتله كان معذورا.
فإذا لم يكن هذا الفعل الذي تحقّق التجرّي في ضمنه ممّا يتّصف بحسن أو قبح ، لم يؤثّر في اقتضاء ما يقتضي القبح ، كما لا يؤثّر في اقتضاء ما يقتضي الحسن لو فرض : أمره بقتل كافر فقتل مؤمنا معتقدا كفره ، فإنّه لا إشكال في مدحه من حيث الانقياد ، وعدم مزاحمة حسنه بكونه في الواقع قتل مؤمن.
ودعوى : «أنّ الفعل الذي يتحقّق به التجرّي وإن لم يتّصف في نفسه بحسن ولا قبح
____________________________________
ولكن يبقى على اقتضائه ما لم يعرض له جهة محسّنة ، وحينئذ يتوقف ارتفاع قبحه على عروض ما يتدارك به قبحه من الجهة المحسّنة كعروض إنجاء النبيّ صلىاللهعليهوآله للكذب مثلا ، ولا تعرض هذه الجهة إلّا على فعل اختياري لأنّ الفعل لا يتصف بالقبح أو الحسن الّا أن يصدر عن الفاعل بإرادته واختياره ، وصدور الفعل كذلك يلازم توجّه الفاعل إلى العنوان.
ومن المعلوم أنّ ترك قتل المؤمن المشتبه بالكافر في المثال الذي ذكره صاحب الفصول بوصف أنّه مؤمن (كفعله) أي : قتل المؤمن ليس من الامور التي تتصف بحسن أو قبح للجهل بكونه قتل مؤمن ، فلا يكون فعلا اختياريا ولذا لو قتله كان معذورا لأنّه لا يتصف بالقبح الملازم لاستحقاق العقاب شرعا ، إذ القتل صدر عنه بعنوان قتل الكافر لا قتل المؤمن ، فما وقع لم يقصد ، وما قصد لم يقع.
والحاصل أنّ قبح التجرّي باق ولا رافع له في المقام ، وأمّا ترك قتل المؤمن غافلا عن كونه مؤمنا لا يتصف بالحسن حتى يرتفع به قبح التجرّي ، لأنّه لم يكن عن إرادة ، بل ما صدر عن إرادة هو ترك قتل الكافر ، وكذلك الانقياد ممّا يقتضي الحسن ولا يرتفع الّا أن يعرض له جهة مقبّحة ولا تعرض الّا بأمر اختياري ، فلو فرض : أمره بقتل كافر فقتل مؤمنا باعتقاد كفره ، ثم انكشف أنّه مؤمن ، لا إشكال في مدحه من حيث الانقياد ، فيكون حسن الانقياد باقيا على حاله لعدم عروض القبح ، لأنّ قتل المؤمن في الواقع لم يكن عن إرادة حتى يتّصف بالقبح.
(ودعوى : «أنّ الفعل الذي يتحقّق به التجرّي وإنّ لم يتّصف في نفسه بحسن ولا قبح)