كلاما للسيّد المتقدّم في هذا المقام واستحسنه ، إلّا أنّه صرّح بحجّية العقل الفطري الصحيح وحكم بمطابقته للشرع ومطابقة الشرع له.
ثم قال : «لا مدخل للعقل في شيء من الأحكام الفقهيّة من عبادات وغيرها ، ولا سبيل إليها إلّا السماع عن المعصوم ، لقصور العقل المذكور عن الاطّلاع عليها» ثم قال : «نعم ، يبقى الكلام بالنسبة إلى ما يتوقّف على التوقيف ، فنقول :
____________________________________
كلمة (في الجملة) التي وردت في كلام المصنّف رحمهالله تشعر على أنّه وافقهما في بعض المطالب المذكورة في كلامهما على نحو الإيجاب الجزئي ، لأنّ المحدّث البحراني قد أخرج الدليل العقلي الفطري الصحيح ، وحكم باعتباره مطلقا ، وحكم بمطابقته للشرع ومطابقة الشرع له ، بمعنى كل مورد حكم العقل الفطري بقبح شيء أو حسنه يحكم الشرع بحرمته أو وجوبه ، وهذا هو المراد من قولهم : كلّما حكم به العقل حكم به الشرع ، فقد أخرج هذا القسم من حكم العقل عن محل النزاع.
ويكون في هذا مخالفا للمحدّثين السابقين ، لأنّهما لم يفصلا بين الفطري وغيره ، وأخرج ـ أيضا ـ الأحكام الفقهية من الأدلة العقلية غير الفطرية حيث قال : لا سبيل إليها الّا السماع عن المعصوم لقصور العقل عن الاطّلاع عليها مع أنّ الأسترآبادي ، والجزائري لم يفرّقا بين الأحكام الفقهية وغيرها ، وهذا الفرق مختص بالمحدّث البحراني ، فيكون مخالفا لهما فيه. نعم ، وافقهما في غير الفطري وغير الأحكام ، فحكم بمثل ما حكما به ، وهذا معنى موافقته معهما في الجملة.
ثم المراد بالعقل الفطري ـ أي : الجبلّي ـ : ما يكون خاليا عن عيوب الأوهام وخالصا عن كل خيال ، ولم يكن لشيء آخر دخالة فيه ، وتصدر منه الأحكام البديهية نحو : لنا صانع ولنا وجود ، ولو كان بعيدا عن الاجتماع مثل من كان في واد فارغ عن كل شيء ، نعم ، لو خلط بشيء آخر ، يعني كان حكمه بتأييد شيء آخر ، فيقال له العقل بقول مطلق. أي : غير مقيد بالفطري ، ومنه يصدر أكثر الأحكام ، وهذه الأحكام تسمّى بالأحكام العقلية نحو الأحكام الصادرة عن الطغاة وفسقة زماننا ، ويدعون أن ما يحكمون به يكون فطريا ، ومن يحكم على خلافهم ـ أيضا ـ يدعي صدور الحكم عن العقل الفطري لأنّ تشخيص ما يصدر عن العقل الفطري ، وما يصدر عن غيره مشكل جدا.