سقوطها بتقدير صحة هذا الزعم لم تكن من نهجه مطلقا ، علمنا أن إسقاطها كان كسقوط ما يتمسك به لإثبات باطله.
الثاني : إن عدم وجدان جامعه لأكثر من ذلك لا يصح أن يقال فيه أنه أسقط منه العبارات ، ولو كان يوجد غير ما جمعه لعثر عليه ، لا سيّما أن الجامع له قد بذل منتهى ما في وسعه وجهده من قوة في سبيل تأليف شتاته وجمع متفرقاته ، فلم يعثر على غير ما نجده بين دفتي النهج ، فعدم وجدانه لأكثر من ذلك وإن كان لا يدل على عدم وجوده واقعا ، ولكن لا يصح أن يقال فيه إنه أسقط منه العبارات على حدّ تعبيره.
الثالث : من أين علم خصم الشيعة أن في غير ما عثر عليه جامعه دليلا ومستمسكا لتصحيح ما يبتغيه؟ أو ليس من الجائز أن يكون ذلك بعد فرض وجوده دليلا ومستمسكا لخصمه الشيعي وحجّة له عليه لا له ، ويؤيد الأخير ـ بل يعينه ـ ما ورد عنه عليهالسلام في النهج في إبطال مذهبه وفساد خلافة من تقدم عليه ، وأنهم أخذوها من أهل البيت عليهمالسلام غصبا ، ويدلك على هذا احتجاجه عليهم عند إبائه من البيعة فراجع ( ص : ١١ و ١٢ ) من الإمامة والسياسة لعبد الله بن مسلم بن قتيبة المطبوع بمطبعة مصر ، وغيره من أهل السير والتواريخ ممن جاء على ذكر البيعة كالطبري ، وابن الأثير في تاريخيهما ، وابن عبد ربه في العقد الفريد وغيرهم من علماء أهل السنّة ، لتعلم أن غير الموجود من كلماته الشريفة في النهج والتي لم يعثر عليها جامعه إنما يصلح دليلا ومستمسكا لخصوم الآلوسي على فساد مذهبه ، لا مستمسكا له على مذهبه في شيء لو صحت مزعمته.
رابعا : قوله : ( مع أن ذلك أمر ظاهر ).
فيقال فيه : إنك قد عرفت ظهور ذلك في خلاف ما يريد ، وأن ما جاء به معكوس عليه ، ودليل لخصمه الشيعي ، ولا شاهد له فيه على صحة مذهبه بل هو شاهد على بطلانه.
ثم أن أهل المعرفة بصياغة الكلام البليغ من ذوي الثقافة والعلم كلّهم لم يعلموا ما فيه من التحريف وإسقاط العبارات ، إلاّ هذا الآلوسي الّذي لم يعتمد في علمه إلاّ على العصبية الأثيمة المتمثلة في كلامه بأجلى مظاهرها.