إن أراد من العقلاء نفسه ومن كان مثله من المخبولين فإنا لا نشك في أنهم من الجهلاء الّذين يتقحمون فيما لا يعرفون ويفسدون ولا يشعرون ، وإن أراد من العقلاء غيرهم من المسلمين فالمسلمون لا يشكّون في أن عليّا عليهالسلام أفضل من سائر الأنبياء والمرسلين عليهمالسلام إلاّ محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم وليس عند العقل ما يمنع ذلك مطلقا ، ثم أن الحكم بتفضيل شيء على آخر يدور مدار المعرفة والإحاطة بفضل كلّ من الأفضل والمفضول ، وليس للإنسان أن يحكم على ما في باطن الغيب ما لم يطّلع عليه ، ولا يصح أن يبدي رأيه فيه ما لم يحط به علما ، وتفضيل بعض الأنبياء عليهمالسلام على بعض كتفضيل بعض الأولياء على بعض الأنبياء عليهمالسلام لا يعلمه إلاّ الله والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فليس لغير الله وغير رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قبله تعالى أن يطّلع عليه أو يحيط به حتى يحكم فيه بنفي أو إثبات ، ولمّا كان أمر التفضيل راجعا إلى الله تعالى كان تعيين الأفضل من قبله ، وإن كان ثمة من هو أفضل من جميع الأنبياء عليهمالسلام إلاّ رسول الله محمّد بن عبد الله خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآلهوسلم فهو عليّ بن أبي طالب عليهماالسلام بنصّ كتاب الله ، قال تعالى في آية المباهلة : ( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) [ آل عمران : ٦١ ] ولا خلاف بين الأمة في أن المراد من : ( أَنْفُسَنا ) في الآية الكريمة نفس عليّ عليهالسلام (١) ولا جائز أن يريد أن هذه النفس هي عين تلك النفس بما هي على نحو الحقيقة لأنها قطعا هي غيرها ، وإنما يريد أن هذه النفس مثل تلك النفس ، وذلك ما يقضي بالمشاركة والمساواة للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في كلّ شيء نزولا على حكم عموم المنزلة والمشاركة في صريح الآية ، إلاّ أننا تركنا العمل بذلك
__________________
(١) راجع ( ص : ٢٧٨ ) من صحيح مسلم من جزئه الثاني في باب فضائل عليّ عليهالسلام وحكاه ابن حجر في صواعقه ( ص : ٧٢ ) في الفصل الأول من الباب التاسع في فضائل عليّ عليهالسلام في الحديث الثالث ، وأخرجه جماعة آخرون من حفاظ أهل السنّة ومفسريهم ، منهم : البيضاوي في تفسيره ( ص : ٢٢ ) من جزئه الثاني ، وابن جرير الطبري في تفسيره ( ص : ١٩٢ ) من جزئه الثالث ، والخازن في تفسيره ( ص : ٣٠٢ ) من جزئه الأول ، والنيشابوري في تفسيره بهامش الجزء الثالث من تفسير ابن جرير ( ص : ٢٠٦ ) والفخر الرازي في تفسيره الكبير عند تفسيره للآية ، وابن حجر العسقلاني في إصابته ( ص : ٢٧١ ) من جزئه الرابع في ترجمته لعليّ عليهالسلام والبغوي محيي السنّة عند أهل السنّة في ص : (٣٠٢) من تفسيره بهامش الجزء الأول من تفسير الخازن ، وجلال الدين السيوطي في الدر المنثور عند تفسيره للآية ، وقد أجمع كلّهم على أن المراد من : ( أنفسنا ) هو نفس عليّ عليهالسلام لا غير فلتراجع فإنه متواتر.