والكمال والعدل والعدوان وإنكارهم لحكمه بهما في الأخير من المدح والثواب والذم والعقاب الّذي هو الآخر مستلزم لذلك وتابع للأفعال الحسنة ، وأنّه من المستحيل الّذي لا يكون أبدا أن يأمر الحكيم الكامل بالقبيح في نفسه كالكذب الضارّ ويمدح فاعله ويثيبه ، أو ينهى عن الحسن في نفسه كالصّدق النّافع ويذم فاعله ويعاقبه عليه ، وهذا شيء يدرك قبحه حتّى الجهلاء والأغبياء فكيف الحال بالعلماء.
ثم كيف يا ترى يستطيع الآلوسي بتلك الوجوه الواهية أن ينكر ما يعلمه كلّ عاقل بفطرته من حسن الصّدق النّافع وقبح الكذب الضارّ ، وهما من أظهر مصاديق حكم العقل في هذه المسألة مطلقا سواء أكان هناك شرع أم لا ، وكيف لا يستقلّ بترتب المدح على الأول والذم على الثاني والعقاب على الثاني والثواب على الأول ، ولسنا نريد من حكم العقل بترتب الثواب والعقاب في الصورتين ترتبهما بخصوصياتهما المعلومة في عرف الشّرع ، وإنّما نريد حكمه بترتب الثّواب على العبد المطيع الفاعل لما يوجب المدح فيستحقّ العطاء من سيّده العدل الحكيم ، وحكمه بترتب العقاب على العبد العاصي الفاعل لما يوجب الذمّ فيستحقّ العقاب من مولاه اللّطيف الخبير.
وبعبارة أوضح : أنّ العقل بطبيعته يحكم حكما جازما لا مرية فيه بأنّ من فعل شيئا على وفق أمر الحكيم يجزيه خيرا ، وإذا فعل خلاف نهيه يجزيه شرا ، وهذا الأمر في الوضوح إلى درجة لا يختلف العقلاء بوجوده عند أنفسهم فكيف بإله العالمين.
وإذا عرفت هذا فهلم معي لأريك الوجوه الباطلة الّتي تمسّك بها الخصوم لإثبات مذهبهم :
قال الآلوسي : « أما بطلان الأول يعني اقتضاء ذوات الأفعال للمدح والذّم والثواب والعقاب فلأن فعلا واحدا قد يتصف بالحسن والقبح معا باعتبارين كلطم اليتيم ظلما وتأديبا ، فلو كان هذا الاتصاف لذات الفعل فقط كما هو المفروض في هذا الاحتمال فإن كانت الذات مقتضية لهما معا لزم صدور الأثرين المتضادين من