الثالثة : إنّه لو كان تعالى حيّا بحياة وقادرا بقدرة لزم التعدد والاثنينية ، وذلك لأنّ كلّ صفة من هذه الصّفات ليس هو وإنما هو غيره كما يزعم الخصوم ، فإن كانت تلك الصّفات التي هي غيرة تعالى مصداقا ومفهوما حوادث لزم قيام الحوادث بالواجب القديم وهو محال ، لأن ما يخلو من الحوادث حادث غير قديم وقد ثبت أنه تعالى قديم ، وقدم الحوادث محال باطل.
فالّذي عليه أهل الإسلام أن الله تعالى عالم بما هو قادر ، وقادر بما هو حيّ ، وعالم بما هو سميع ، وبصير بما هو قادر ، وعالم بما هو حيّ بلا مغايرة جهة ، ولا تخالف ولا تعدد في شيء تعالى الله ربّ العالمين.
الرابعة : لو كانت هذه المعاني قائمة بذاته وموصوفا بها كانت حقيقته تعالى مركّبة من ذاته ومن تلك المعاني القائمة بها ، وقد ثبت بالبداهة أن كلّ مركّب مفعول يحتاج إلى فاعل يركّبه فيكون الله تعالى عن ذلك ممكنا لا واجبا ، وقد ثبت بالضرورة وجوبه فثبت بطلان كونها قائمة بذاته وحالّة فيها.
ثانيا : قوله : ( وأنت خبير بأن عقيدتهم خلاف المعقول ).
فيقال فيه : بربّك قل لي أيها العاقل العارف بالله أيّة عقيدة خلاف المعقول الّذي يقول إن الله مثله كان جاهلا فاكتسب العلم من غيره ، وميّتا مثله فصار حيّا بغيره ، وعاجزا مثله فصار قادرا بقدرة غيره ، أو الذي يقول وهو خصم الآلوسي إنّ الله تعالى هو كلّ العلم والحياة والقدرة ، عليم بما هو قدير ، وقدير بما هو خبير ، معطي الحياة للموات ، وخالق الأرضين والسّموات وجميع الكائنات ، عالم بما هو حيّ ، وحيّ بما هو سميع إلى آخر صفاته التي يعتقد أنها عين ذاته وتمام كنهه بلا تغيير ولا تبديل ، سبحانه وتعالى عمّا يقول الجاهلون علوّا كبيرا.
ثم إذا كان الله تعالى يكتسب العلم والحياة والقدرة ونحوها من صفاته من غيره فليخبرنا الآلوسي عن الفرق بينه وبين الله تعالى عن ذلك ما هو وبما ذا يمكن تميّزه عن مخلوقاته؟ وإذا كانت تلك الصّفات ليست من غيره فما بقي إلاّ إنّها منه نفسه ، ويعني هذا أنه أعطى الحياة والقدرة والعلم وغيرها من الصّفات لنفسه وهو محال لا يمكن أن يكون إطلاقا ، لأن غير الحيّ والقادر والعالم ونحوها من