المؤلف : الّذي عليه العقلاء كافة وجاء التنصيص عليه من الشريعة أن الله تعالى مخصوص بالقدم ، وأنّه ليس في الأزل سواه ، وأنّ كلّ ما عداه ممكن وكلّ ممكن حادث ، ويقول القرآن : ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ) [ الحديد : ٣ ] ويقول هذا الآلوسي وغيره من خصوم الشيعة : إنّ مع الله تعالى معان قديمة ثمانية هي علل في الصفات ؛ كالقدرة والعلم والحياة والسّميع والبصير ونحوها ، فيلزم على هذا القول ممتنعات عقلية ومحالات ضرورية.
الأول : إثبات قديم غير الله ، والغريب أنّ هؤلاء حكموا على النّصارى بالكفر لأنهم قالوا إن الله ثالث ثلاثة فأثبتوا ثلاثة قدماء ، وخصوم الشيعة قد أثبتوا ثمانية قدماء بل تسعة مع الله تعالى عن ذلك وما حكموا بكفر أنفسهم.
الثاني : افتقاره تعالى في كونه عالما إلى إثبات معنى يكون هو العلم أو القدرة أو السّمع وغير ذلك من الصفات ما لولاها لم يكن متصفا بها ، وقد ثبت بالضرورة أنّه تعالى منزّه عن الحاجة لأن كلّ مفتقر إلى غيره ممكن والممكن حادث ، وقد علمنا بالضرورة أنه تعالى قديم.
الثالث : إنّ قول هذا الآلوسي : ( أن هذه المعاني غير الذات ولا هي نفس الذات ) غير معقول في نفسه وذلك لأن الشيء إذا نسب إلى آخر فإما أن يكون غيره أو يكون هو ، ولا يعقل سلبهما معا لاستحالة الخلوّ ولازم المحال محال باطل بالضرورة فما قاله باطل بالضرورة.
الرابع : لزوم التسلسل المعلوم بالضرورة بطلانه ، وذلك لأن العلم بالشّيء غير العلم بما عداه قطعا ، لأن من شرط العلم المطابقة للمعلوم ومن المحال عند العقل أن يطابق الشيء الواحد أمورا متغايرة متخالفة بذاتها وحقيقتها ، ولكن المعلومات بالطبع غير متناهية فيكون له علوم غير متناهية مرّات عديدة غير متناهية باعتبار كلّ علم يفرض في كلّ مرتبة من المراتب غير المتناهية.
توضيح ذلك أنّ العلم بالشيء مغاير للعلم بذلك الشيء ، ثم العلم بالعلم بالشيء غير العلم بالعلم بالعلم بذلك الشيء وهلمّ جرا إلى ما لا نهاية له في كلّ واحد من هذه المراتب غير متناهية وهذا غير معقول ، فالمغايرة في صفاته غير معقولة.