أما الأمر الثاني وهو : أن كلّ من حكم الله بصدقه كان صادقا فممنوع عند خصومنا ، لأنهم يقولون إن الله تعالى خالق كلّ أنواع الضّلال والشرور والمعاصي الصّادرة من الإنسان لدى العيان ، وإن إرادته عامّة لجميع ذلك فلا يمتنع عليه تصديق الكاذب لأنه لا واجب عليه ، كما سنذكره عند تقرير كلام الآلوسي الّذي تلقى تلك المزاعم ممن تقدم عليه بالقبول تقليدا وبلا تفكير في مغبتها ولا تثبت في عاقبتها ، وكان عليه في الأقل أن يطلق عقله من عقال التقليد وفكره من قيد التبعية ، وينظر بعين بصيرة إلى أدلة الطائفة الحقّة والفرقة المحقّة التابعة للوصيّ وآل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لينبلج له عمود الصبح عن محضه ويتجلّى له الحقّ بعينه ، فإنه لا يصح لمن له عقل أو شيء من الدين أن يرضى لنفسه عقيدة توجب إبطال النبوّة مطلقا ، وتحكم عليه بالمساواة بين النبيّين عليهمالسلام وبين الكذابين أمثال مسيلمة وسجاح والعنسي.
الثالث : لو كان الله تعالى لا يفعل لغرض لزم تكذيب القرآن العزيز ، وقد مرّت عليك عدّة آيات منه صريحة في أن أفعاله لا تكون إلاّ لغرض ومصلحة ، وأنها تتعالى عن اللّغو والعبث.
الرابع : إنه إذا لم يكن يفعل لغرض لجاز عليه تعالى أن يعذّب أعظم المرسلين كالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بأشدّ ألوان العذاب ، ويمنح أعظم العاصين كإبليس اللّعين بأكبر الثّواب ، لأنه إذا كان لا يفعل لكون الفعل حسنا ولا يترك لكونه قبيحا ، بل كان عابثا لاعبا لا لغرض إطلاقا ـ على زعمهم ـ لم يبق فرق بين سيّد المرسلين صلىاللهعليهوآلهوسلم وإبليس في الثواب والعقاب ، لأنه لا يثيب المطيع لطاعته ولا يعاقب العاصي لعصيانه ، وهذان الوصفان طبعا إذا تجردا عند الإعتبار في الانتقام والإثابة لم يكن لأحدهما أولوية الثواب ولا العقاب دون الآخر.
فبالله عليك أيّها العاقل المستعمل عقله ، والمسلم المفكر المتحلل من قيود التعصب ، والمتحرر من التقليد الأصم هل يسمح لك عقلك وفكرك ويطاوعك ضميرك ووجدانك أن تعتقد بهذه العقيدة وتعزوها إلى خالقك ، وأنت ترى بأمّ عينك لو أن عاقلا نسب الإساءة إلى من أحسن إليه وعزا الإحسان إلى من أساء