( خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) [ الصافات : ٩٦ ] فإنه لم يأت على ذكر الآية بكاملها لأن في ذلك ما ينافي مبتغاه ، لذلك اقتصر على جملة : ( خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) ليوهم أن الآية تريد خلق أعمالنا كما تريد خلقنا ، ظنا منه بأن ذلك يخفى على الباحثين عن الحقيقة بإخلاص ، أو أنهم لا يهتدون إلى أنها لا تريد أفعالنا الاختيارية الصادرة عنا بالاختيار ، بدلالة ما قبل هذه الجملة التي لها الصلة الأكيدة بها ، وهي قوله تعالى : ( قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) [ الصافات : ٩٥ ـ ٩٦ ] فهي تعني أن الله تعالى هو الخالق للأحجار والأخشاب التي نحتوها وعملوا لهم منها أصناما يعبدونها من دون الله ، وأين هذا من دلالة الآية على إرادة أعمالنا ، ألا تراه نسب نحتها إلى عابديها لا إليه تعالى ، ولو كانت تريد خلق أعمالهم لكان المناسب أن يقول : ( أتعبدون ما نحته الله لكم ) ولما لم يقل هذا علمنا بطلان ما زعمه الخصوم.
ويقرر هذا ويعززه كلمة ( ما ) الموصولة لغير العاقل في الجملتين ، وعطف الثانية على الأولى فإنه يفيد إرادة ما كانوا يعملون منه أصنامهم كما ألمعنا ، والشيعة لا تخالف خصومهم فيما خلقه تعالى من حجر ومدر أو حيوان وشجر.
ولكن هذا كما تراه خارج موضوعا عن أفعالنا المستندة إلينا بالاختيار كالظلم والفساد والمعاصي والشرور ، ثم أن إنكاره تعالى عليهم وتوبيخه لهم في الفقرة الأولى من الآية على عبادة ما ينحتون من الأصنام ، وقوله تعالى بعد ذلك : ( وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) يفيد إرادة تنبيههم وإرشادهم إلى أن الّذي يستحق العبادة هو من خلقهم وخلق تلك الحجارة دونها ، فإنها لا تغنى من جوع ولا تؤمن من خوف ولا تستحق شيئا من ذلك إطلاقا ، فالآية لا تفيد مطلقا ما يبتغيه الآلوسي للفرق الواضح بين ما يخلقه الله تعالى من الموجودات الّذي هو مفاد الآية وبين ما يفعله الناس الّذي هو بعيد جدا عن مفادها ، لذا ترى لا يصح أن يقال فيمن عمل خمرا من التمر أو العنب إنّ الله خلق الخمر لأنه خلق الكرم والتمر ، فالآية من هذا القبيل لا يصح أن يقال إن الله عمل الأصنام التي عبدوها ونحتها لهم لأنه خلق أحجارها ، فإن هذا لا يقول به من كان على شيء من العقل أو الدين.