الأول : إن القارئ ليفقه من هذه الجملة أن الشارع قد اعتبر شروطا في الإمام وهي بطبيعة الحال غير ملحوظة ولا معتبرة في أمر الرئاسة التي تقررها كلّ فرقة لأنفسهم كالإحاطة بكافة الأحكام الشرعية التي هي شرط أصيل في الإمام وليس هو بالبداهة شرطا فيمن تقرره للرئاسة على أنفسهم.
فبالله عليك إذا كان هذا الخصم يعترف أن هناك شروطا أوضحها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في الإمام وأنها قيود شرعية معتبرة فيه فكيف يقيس أمرها على أمر الرئاسة التي تقررها كلّ فرقة لأنفسهم فتختار من بينها من تريد مطلقا وإن كان جاهلا بالأحكام الشرعية والقوانين الإلهية ، وهل هذا إلاّ قول متناقض لا يفهم ما يقول.
الثاني : إن قول الآلوسي : ( إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أوضح شرائط الإمام ) يدلّك بوضوح على أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم ينصّ على إمام بعينه ، وإنما أوضح شروطه وأوكل أمر تعيينه إليهم ، وقد عرفت فساد هذا الزعم فيما مرّ من أن أمر التعيين ليس من وظائف الأمّة لأن من أهم شروطه العصمة قطعا ، فلا يقدر أحد من أفراد الأمة أن يطّلع عليها ، فإذا تعذر عليهم الإطلاع على ما هو شرطه فلا يستطيعون تعيينه إطلاقا ، فإذا بطل تعيينه من الأمة ثبت وجوب تعيينه من الله تعالى وحده ، ثم كيف يا ترى يكون من الممكن المعقول أن يجعل أمر تعيينه إلى الأمة مع علمه صلىاللهعليهوآلهوسلم بما هم عليه من حبّ الجاه واختلاف الأهواء والطباع ، بل فيه أعظم الفتن وإيثار الفساد ، وذلك لا يمكن صدوره من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في حال.
ثانيا : قوله : ( وأيضا لا معنى للوجوب عليه تعالى ).
فيقال فيه : إن كان لا معنى للوجوب عليه على حدّ زعمه فلا معنى لقوله تعالى : ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) [ الأنعام : ١٢ ] لأن الإمام من الرحمة فيجب ، ولا معنى لقوله تعالى : ( إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى ) [ الليل : ١٢ ] والإمام من الهدى أو طريقه فيلزم ، فلو لم يكن واجبا لكانت هذه الآيات مهملة لا معنى لها وليس لها في الوجود صورة وهو باطل ، وذلك مثله باطل فالوجوب متعيّن.