قبول قولك هنا أو هناك ، فأيّ حجّة تجدها لله على الناس بعد هذا وأي فوضى أقبح من هذا.
وأما قبول قوله فلا يجب إلاّ على العوامّ الّذين لا يستطيعون تحصيل الأحكام بالاجتهاد على فرض تعذر العلم وانسداد بابه ، أما المستطيع لا سيّما في عصر الصّحابة فإن الجميع بحمد الله ( مجتهدون وليس فيهم جاهل بحكم من الأحكام الشرعية ) كما يزعم الخصوم فلا يجب عليهم أن يقبلوا قول أبي بكر (رض) وغيره من ( المجتهدين ) في شيء لعدم حجيّة قول المجتهد على مجتهد آخر ، فمالك بن نويرة وقومه من بني يربوع كانوا من المجتهدين فأدّى اجتهادهم إلى ألاّ يعطوا أبا بكر (رض) شيئا من زكاة أموالهم ، فإلزام أبي بكر (رض) إيّاهم على ذلك وقتله لهم كان قتلا للمجتهدين المخالفين له في اجتهاده وذلك غير جائز في الشريعة قطعا ، وإن منعوا اجتهادهم منعنا اجتهاد غيرهم من الّذين استحلّوا قتلهم وقتالهم فيكون الأمر في ذلك على الخصوم أشدّ جرما وأعظم مخالفة للدين ، وكون أبي بكر (رض) مصيبا في ذلك الاجتهاد ليس بأولى من عكسه ، ولو سلّمنا جدلا فلا يوجب ذلك قتلهم وهم مسلمون مؤمنون لأن قتال المجتهد المخطئ غير جائز إطلاقا.
وقد رتب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، على ذلك أكبر محذور فقال فيما تواتر عنه : ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) فإذا كان لا يجوز قتال المسلم وأن قتاله فضلا عن قتله كفر ـ على حدّ قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فكيف الحال فيما إذا كان المسلم المقتول مجتهدا مصيبا في اجتهاده ، والفرقة التي قاتلته وقتلته مخطئة إن لم نقل فيها إنه لا نصيب لها من الاجتهاد إطلاقا لعدم الدليل عليه إلاّ ما يزعمه الخصوم فيهم تعصبا لهم.
وإذا كان لم يجب قبول قوله وامتثال أمره بالاجتهاد على خلافه بطل أن يكون إماما لانتفاء الغرض والفائدة من إمامته ـ كما ألمعنا ـ ثم لا يجوز الاجتهاد مع إمكان تحصيل الأحكام بالعلم ، كما لا يجوز مع وجود النصّ على ما سيجيء توضيحه إنشاء الله.