بيت المسلمين في الأهواء والأغراض كما هو المعلوم من سيرة أمراء بني أمية وبني العباس وغيرهم من أمراء الجور وأئمة الضلال الّذين انتخبهم النّاس وجعلوهم أئمة على أنفسهم وأعانوهم على أن يظهروا في الأرض الفساد ، وقد ارتكب عثمان بن عفان (رض) المنصوب من قبل النّاس في أيام خلافته من تأميره بني عمومته على رقاب المؤمنين وعلى تخويله لهم السّلطة على بيت المال ، الأمر الّذي كان من أقوى العوامل المؤدية إلى فشله وقتله ، ولم يكن ذلك كلّه إلاّ لأن الّذي عيّنه الناس لم يكن معصوما فوقع منه هذا الفساد.
وهب أنا قلنا جدلا إنه من المجتهدين ولكن لا يمنع اجتهاده من أن يصرف الأموال في أغراض نفسه باجتهاد أنه فيما يجب صرفها فيه ، ويقيم الحدود في غير محلّها باجتهاد أنه مظلوم ، ويوقع المفاسد باجتهاد أنها مصالح ، والمجتهدون طبعا لا يستطيعون أن يحفظوا أنفسهم من الوقوع في الخطأ فكيف يستطيعون أن يحفظوا الشريعة من الضياع ، فإن غير المعصوم يخطئ ويجوز أن يقع منه الفساد خطأ ، فمن يا ترى يرفع فساده ويرجعه إلى الصّواب إن لم يكن ثمة إمام معصوم فينتفي الغرض من نصبه والحاجة إلى جعله.
وهذا بخلاف التنصيص من الله تعالى عليه فإن فيه أكبر المصالح وأعظمها عصمة الإمام القائم مقام نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في نشر الأحكام ( أحكام الله المتعلّقة بأمور الدين والدنيا ) على الوجه الّذي أمر الله تعالى به ، والاجتهاد من الإمام لا يجوز كما لا يجوز من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وذلك لأن الإمامة صنو النبوّة وقائمة مقامها وسادّة مسدّها غير أن الإمام لا يوحى إليه كما يوحى إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ومع الاجتهاد لو صح منه لا يحصل القطع بالحكم الإلهي ، وأن ما يقوله هو من عند الله ، لجواز أن يكون من رأيه وقد ورد النهي عن الأخذ بما ليس من الله وفي القرآن : ( آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) [ يونس : ٥٩ ] والاجتهاد ـ كما مرّ ـ لا يغني صاحبه من الخطأ فبالأولى لا يغني من حفظ الشريعة من الضياع ، ولأنه لا يكون من نشر الأحكام وإقامة الحدود على الوجه الّذي أمر الله تعالى به لجواز خطأه ، ولأن المجتهد يمكن إفحامه فللمكلّف أن يقول له إني اجتهدت فأدّى نظري إلى عدم