أنواع الضلالات والموبقات وفعل المحرمات ما دام الاجتهاد قد خولهم صلاحية ذلك كلّه ، كما يزعم أولياء الفئة الباغية من أهل صفين تصحيحا وتصويبا لما ارتكبوه من قتل النفوس واستحلال المحرّمات ، وهتك الحرمات ، وما استحلّوه من عترة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ما حرّم الله ، وقديما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( ستة لعنتهم لعنهم الله وكلّ نبيّ مجاب : الزائد في كتاب الله ، والمكذّب بقدر الله تعالى ، والمتسلّط بالجبروت فيعز بذلك من أذلّ الله ويذلّ من أعزّ الله ، والمستحلّ لحرم الله ، والمستحلّ من عترتي ما حرّم الله ، والتارك لسنّتي ) (١).
وهل يكون الطعن في رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي دينه غير هذا ، ويقابل هذا الاجتهاد اجتهاد إبليس ، واجتهاد المشركين ، واجتهاد قتلة عثمان ، وذلك مع الغضّ عن كون اجتهاد الفرقتين مانعا من حبّهم عليّا عليهالسلام ومانعا من أنهم عارفون له فضله ـ كما يزعم الآلوسي ـ لوضوح بطلان تحقق محبتهم له عليهالسلام مع انتفاء إطاعتهم له عليهالسلام كما تقدمت الإشارة إليه في صريح قوله تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) [ آل عمران : ٣١ ] فإن إبليس قد اجتهد في مخالفة أمر الله كاجتهاد معاوية في مخالفة أمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذي استحق من أجله أن يكون من الدعاة إلى النار ، فلإبليس على زعمه أجر واحد على اجتهاده وإن لم يكن محقّا وكان مبطلا ، ولا يمنع ذلك كونه محبّا لله ، ولا ينافي كونه عارفا له قدره حقّ قدره.
وكذا الحال في مشركي قريش فإنهم اجتهدوا في قتال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ووجوب قتله لشبهة قويّة عند مقاتليه أوجبت عليهم أن يقاتلوه ، وذلك بزعمهم لا ينافي دينه ، ولا يمنع من كونهم محبين له عارفين له فضله ، فإن جاز مثل هذا الاجتهاد والمخالف لضرورة الدين ، والمقابل لجميع نصوصه القطعية ، والمصادم للأدلّة العقلية الفطرية عند أولياء الفرق الباغية جاز ذلك الاجتهاد لأولئك الأبالسة والشياطين من كفرة قريش وغيرهم من الكافرين ، وهذا لا يقول به ذو دين وذلك مثله لا يقول به من له دين.
__________________
(١) أخرجه السيوطي في جامعه الصغير ( ص : ٣٢ ) من جزئه الثاني عن الترمذي والحاكم عن عائشة ، والحاكم عن ابن عمر وصححه.