وتسعين (١) حتى جعلوا ذلك من أورادهم اللاّزمة في مختلف الأوقات ، أللهم إلاّ أن يقول ـ الآلوسي كما قال غيره من أعداء الوصي وآل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ إنهم مجتهدون فأدّى اجتهاد بعضهم إلى التقاعد عن نصرته وخذلانه ، وبعضهم إلى قتله وقتاله (٢) وإهراق دمه ، ومع ذلك فهم محبون له عارفون له فضله فلهم أجر واحد على اجتهادهم وإن لم يكونوا محقين وكانوا مبطلين.
كأن القوم يرون أن الاجتهاد من الدروع الحصينة التي تخول صاحبه صلاحية قتال عليّ عليهالسلام ووجوب قتله وإن كان ذلك الاجتهاد مقتنصا من الأهواء والضلالات والكفر والنفاق ، وكان مخالفا لقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما تقدم نصّه : ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) بل وإن كان اجتهادهم في سبّ الله وسبّ رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي حربهما ، إذن فليرتكب المجتهدون ما شاءوا أن يرتكبوا من
__________________
(١) تجده في ( ص : ٢١٤ ) من سنن الترمذي ( وص : ٢٧٨ ) من صحيح مسلم من جزئه الثاني في باب فضائل عليّ عليهالسلام و ( ص : ١٢٦ ) من الفصول المهمة لابن الصباغ المكّي المالكي ، وهذا مما لا خلاف فيه بين الأمة بل هو معلوم حتى عند اليهود والنّصارى وسائر الملل الأخرى إلى زمن عمر بن عبد العزيز.
(٢) الغرابة في كون معاوية من المجتهدين ومالك بن نويرة ليس مجتهدا : يقول ابن حجر الهيثمي في خاتمه الصواعق : ( إعتقاد أهل السنّة أن معاوية كان من المجتهدين فله أجر واحد على اجتهاده ) والغريب أيها القارئ أن يكون معاوية من المجتهدين فله أجر واحد على اجتهاده في سبّ عليّ عليهالسلام وقتاله ، ومالك بن نويرة من المرتدين وليس من المجتهدين فله أجر واحد على اجتهاده في امتناعه من دفع زكاته وزكاة قومه إلى أبي بكر (رض) لذا فإن الشيعة تقول إن مالكا لم يصنع مع أبي بكر (رض) ما صنعه معاوية مع عليّ عليهالسلام من السّباب والقتال واستحلال قتله ، فهل يا ترى وجها لهذا الفارق بين الرجلين سوى أن مالكا خالف أبا بكر (رض) فقط ومعاوية لم يكتف بمخالفته عليّا عليهالسلام دون أن قاتله واستحلّ سبابه وقتله ، لذا كان مجتهدا فله أجر اجتهاده ، أما مالك فكافر مرتد وليس مجتهدا وله أجر اجتهاده ، ولو كان الأمر معكوسا لانعكس الأمر عندهم فلو كان المخالف لأبي بكر (رض) والممتنع عن دفع زكاته له معاوية وأصحابه لكان معاوية عندهم كافرا مرتدا خارجا عن الإسلام ، ولما صح الاعتقاد عندهم أنه من المجتهدين فله أجر واحد على اجتهاده.
فتفريق أهل السنّة ـ على حدّ قول ابن حجر بين الرجلين ـ بين مالك بن نويرة الصحابي الكبير المحكوم عليه بالارتداد في محكمة خصوم الشيعة دون النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مع ثبوت إسلامه بشهادة كلّ من العدلين عندهم عبد الله بن عمر ، وأبي قتادة عند أبي بكر (رض) كما في الإصابة لابن حجر العسقلاني ، لأن مالكا كان مواليا لعليّ عليهالسلام ومخالفا لأبي بكر (رض) ولا يرى له في عنقه بيعة وبين معاوية بن أبي سفيان المحكوم عليه في محكمة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالبغي وأنه من الدعاة إلى النّار فيما تواتر عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ولوصيّه عليّ عليهالسلام ومستحلّ لحربهما وسبّهما يغني اللّبيب عن التحقيق إذا لم يكن له في العصبية من نصيب.