عليه أن يوردها لهم بدلا من أن يقول لهم : ( نحن الأمراء وأنتم الوزراء ) فإنه كان يومئذ في أمسّ الحاجة إليها لو كانت نازلة في خلافته ، بل لو كانت لأوردها أولياؤه في السّقيفة تقربا له ، ولو كان هناك آيات في خلافتهم فلما ذا لم يذكرها أبو بكر (رض) حينما استخلف عمر (رض) من بعده وقد قالوا له : ( ما أنت قائل لربّك إذا سألك عن تولية عمر علينا وقد ترى غلظته ، فقال أبو بكر : بالله تخوفني ، أقول اللهم استخلفت عليهم خير أهلك ، فإن عدل فذلك ظني فيه وعلمي به ، وإن بدّل فلكلّ امرئ ما اكتسب ، والخير أردت ولا أعلم الغيب ) (١).
فأين عنه تلك الآيات المزعومة في خلافته ليدلي بها عليهم ويذكرها لهم إن كان ثمة آيات كما يزعم الآلوسي ، بل لو كانت هناك آية فضلا عن آيات ناصّة على خلافة عمر (رض) ـ كما يزعم ـ لكان المناسب أن يجيب ذلك القائل بها لا بغيرها ، وكان عليه أن يقول لو صح شيء منها في خلافته : ( ليس لي بدّ من استخلافه عليكم ، لأن الله أنزل في استخلافه عليكم آيات ، ونصّ بها عليه بالخلافة ).
ومن حيث أن أبا بكر (رض) لم يقل ذلك وقال : ( استخلفت عليهم خير أهلك فإن عدل أو بدل ) الدالّ على ترديده الموجب لشكّه فيه والمنصوص عليه من الله طبعا لا يمكن أن يقع الشكّ والترديد فيه إطلاقا ، علمنا أن ما زعمه الخصم من الآيات في خلافته كذب وافتراء ، ولا جائز على الخلفاء ألاّ يعلموا بتلك الآيات الناصّة على خلافتهم فيتركوها وهي أقوى سلاح لهم في إثباتها ، أو ينسوها فلا يذكروها ويعلم بها الآلوسي ولا ينساها ، كما لا يجوز عليهم ألاّ يعرفوا وجه دلالتها وأنها لا تريد واحدا منهم أبدا فلم يذكروها وعرف ذلك الآلوسي فزعم دلالتها على خلافتهم (رض) وإذا كان الخلفاء (رض) لم يعرفوا وجه دلالتها فأعرضوا عنها فلا جائز على أهل السّقيفة ألاّ يعرفوا ذلك فلا يذكروه مع قربهم من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وإذا بطل هذا بطل ما زعمه الخصم من الآيات في خلافتهم (رض).
__________________
(١) هكذا سجله الهيتمي في ص (٨٧) في الفصل الثاني من الباب الرابع في خلافة عمر بن الخطاب (رض) من الصواعق المحرقة لابن حجر.