ولكن الشيء الّذي غاب عن ذهن الآلوسي أن مثل هذا الضرب من الاستدلال لا يقرّه الدين والعقل ، وها أنا ذا أيها القارئ سأتلو عليك الآية بكاملها لمسيس الحاجة إلى ذلك لتعلم ثمة صدق ما قلناه ، قال تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [ المائدة : ٦ ].
هذه هي الآية الأولى التي حاول الآلوسي بدلالة ( ليطهركم ) فيها أن يبطل دلالة آية التطهير على عصمة أهل البيت عليهالسلام وهي التي زعم نزولها في أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم تلوناها على مسامع القرّاء ليعرفوا الكذب والبهتان اللّذين لا يتحرج هذا الآلوسي في ارتكابهما على الله ما داما يبطلان دلالة آية التطهير على عصمة الوصيّ وآل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
أما الآية الكريمة فمفهومها واضح وهو لا يتفق مع ما يدعيه الخصم مطلقا ، وذلك لنزولها في مشروعية الطهارة المائية والترابية من الوضوء والغسل والتيمم عند وجوب الصّلاة ، وليس في لفظ ( ليطهركم ) دلالة على إرادة العصمة من الرجس حتى يستقيم زعم الآلوسي أن لفظ التطهير إن دلّ على العصمة فيها كان دالاّ أيضا على عصمة الصّحابة الّذين ادّعى نزول هذه الآية وغيرها في حقّهم خاصة إفكا وزورا.
الثالث : إن الإرادة المتعلّقة بطهارة أهل البيت عليهمالسلام من الرّجس إرادة تكوينية وهي خاصة بهم لم يدخل معهم فيها داخل ولا دخيلة كما مرّ ، والإرادة في آية مشروعية الطهارة إرادة تشريعية وهي عامة للمكلّفين أجمعين سواء في ذلك أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وغيرهم ، والإرادة التشريعية لا تفيد العصمة إطلاقا فكيف يجوز للآلوسي أن يقيس أحدهما على الآخر مع اختلافهما موضوعا ومحمولا وقياسا.