الأمر الخامس : قوله « نقدّر لفظ اغسلوا قبل بأرجلكم ».
فيقال فيه : إذا كان التقدير والصرف والتأويل في ظواهر الكتاب الكريم بيد الآلوسي فمتى شاء أن يقدّر قدّر ، وإن كان فيما لا يمكن فيه التقدير بدلالة القرآن ، ومتى شاء ألاّ يقدّر لا يقدّر ، وإن كان فيما يصح فيه التقدير بدلالة الكتاب ، وإذا كان كلّ قول لم يشفع بدليل ولم يعضد ببرهان يستقبله النّاس باحتفال وإجلال إذن فليتبوأ كلّ من الآلوسي وذلك الهندي مقعدا ليشار إليهما بالبنان.
فالآلوسي يرى أن الله تعالى لا يستطيع أن يثبت لفظة اغسلوا قبل أرجلكم لو كان يفيد ما يبتغيه ، أو يرى أنه تعالى لا يستطيع بيانه ، فأوكل أمر بيانه إلى ( شيخ الإسلام ) الآلوسي ، أو يرى أن في الله عيّا من أن يثبت لفظة اغسلوا قبل أرجلكم ليدلّ ـ لو كان فيه دلالة ـ على ما يريده الآلوسي ، ولا شك في أن مثل هذا النوع من التصرف والتأويل في آيات القرآن الكريم يغمز في إيمان صاحبه.
الأمر السّادس : قوله : « وجوّز سائر المحققين جرّ الجوار في النعت والعطف ».
فيقال فيه : أما قوله تعالى : ( عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ) [ هود : ٢٦ ] فلا ربط له بما نحن فيه لوجود القرينة الحالية فيه ، فإن كون أليم صفة للعذاب لا ليوم يعرفه كلّ عربي ، ومثله لا يصلح أن يكون شاهدا على شيء من ذلك مطلقا ، فكيف يقاس هذا على ذاك وبينهما بون شاسع ، أضف إلى ذلك بطلان القياس في مثل ذلك في اللّغة.
وأما قوله تعالى : ( وَحُورٌ عِينٌ ) [ الواقعة : ٢٢ ] على قراءة من قرأ بالجرّ فمع أن أكثر القرّاء قرأ بالرفع ولم يقرأ بالجرّ غير حمزة والكسائي فليس معطوفا على : ( بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ ) [ الواقعة : ١٨ ] كما توهمه الآلوسي ، فهذا أبو عليّ الفارسي يقول في كتابه الحجّة : هو عطف على قوله تعالى : ( أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) [ الواقعة : ١٩ ـ ١٢ ] ويكون قد حذف المضاف وتقديره أولئك في جنّات نعيم وفي مقارنة حور العين أو معاشرة حور العين.