فيقال فيه ، أولا : أن المنصوص عليه عند أهل العربية أن تغيير الإعراب بالمجاورة من الشواذّ الّذي لا يقع في كلام الفصحاء ، مع أنه من القياس في اللغة والقياس فيها باطل ، لأنها مستفادة من الاستقراء فلا يجوز فيها القياس لخروجه عن كلام العرب وعمّا كانوا يستعملونه في كلاهم ، وإذا خرج إلى هذا الحدّ من الشذوذ نظير ما ورد شاذا في نصب الفاعل فيستحيل حمل كلام الله تعالى عليه.
ثانيا : قد صرّح جماعة من اللّغويين بامتناع الإعراب بالمجاورة في كتاب الله ، بل صرّح غير واحد بعدم جوازه مطلقا ومنهم الأخفش ، فإنه صرّح بعدم ورود الإعراب بالمجاورة في كتاب الله فكيف يصح حمله عليه مع إنكار مثل هذا من علماء اللّغة.
ثالثا : إن الإعراب بالمجاورة بتقدير جوازه إنما يسوغ بشرطين ، الأول : عدم وقوع الفصل بحرف الجرّ ونحوه كما ذكروه في الأمثلة ، كقولهم : ( جحر ضبّ خرب ) وذلك بخلاف الآية ، فإن حرف العطف فيها جاء فاصلا بين الجملتين للدلالة على إرادة حكمين كلّ واحد منهما متعلق بموضوعين في الخارج ، الأول : غسل الوجوه والأيدي ، والثاني : مسح الرءوس والأرجل.
الشرط الثاني : عدم وقوع الالتباس في المعنى لدى السّامع كما في المثال ، فإن كون ( خرب ) صفة ( لجحر ) لا ( لضبّ ) يعرفه كلّ من ترعرع قليلا عن رتبة العوام ، بخلاف ذلك في الآية لوقوع الالتباس بالعطف لدى السّامع بين كونه معطوفا على ما يليه أو معطوفا على المعطوف في الجملة السّابقة.
أما على قراءة النصب ، فهو معطوف على محلّ الرءوس ، لأن محلّها النصب على المفعولية وهو كثير الوقوع في كلام الفصحاء ، والقرآن مشحون بذلك ، فيلزم تأويل قراءة النصب إلى قراءة الجرّ كذلك لأنه كثير الوقوع في القرآن ، إلحاقا للفرد المشكوك بالأعمّ الأغلب ، والإعراب بالمجاورة شاذّ نادر بل غير واقع لا كما يزعمون فالجمع الّذي زعمه الآلوسي لتصحيح مذهبه معكوس عليه ومردود على وجهه ، فيقوى حينئذ تأويل قراءة النصب بالجرّ على فرض التعارض لا تأويل قراءة الجرّ بالنصب لشذوذه بل لامتناعه رأسا.