وهو المسح في أكثر من معنى وهو لا يجوز حتى على القول بجواز استعمال المشترك اللّفظي في أكثر من معنى ، وأعطف عليه فساد قوله : ( وإنما عبّر عنه بلفظ المسح للدلالة على وجوب غسل الأرجل غسلا خفيفا ) وذلك لعدم دلالة المسح على وجوب الغسل مطلقا حتى يعبّر به عنه ويريد الدلالة عليه ، لأن المسح هو غير الغسل لفظا ومعنى ، فلا يكون التعبير عن أحدهما تعبيرا عن الآخر ، ولو أراد الغسل لعبّر به أو بما يدلّ عليه ولو بالقرينة ، ألا تراه لما أراد غسل الوجوه والأيدي عبّر به ولم يعبّر بغيره ، وكذا الحال لمّا أراد مسح الرءوس والأرجل عبّر بالمسح لا بغيره ، وإنما عبّر بلفظ المسح للدلالة على أنه يريد معناه المطابقي وهو المسح.
والخلاصة أن المسح غير الغسل لغة وعرفا وشرعا ، ولا يدلّ المسح على الغسل بإحدى الدلالات المنطقية لا بالمطابقة ولا بالتضمن ولا بالالتزام ، والموجود في الفقرة الثانية من الآية هو المسح ، فكيف يا ترى ينقلب إلى الغسل؟! ولأي شيء جاز حمله على الغسل وهو لا يفيده ولا يدلّ عليه ولا يجوز الاعتماد فيه على هوى النفس ، كما لا يجوز أن يقول من له عقل إن الله يقول وامسحوا ويريد اغسلوا ، أو أنه كان عاجزا من أن يقول اغسلوا لو كان يريد الغسل ، أو أن الآلوسي يريد غير ما يريد الله ، وهل إرادته الغسل إلاّ من قبيل : أراد الله المسح وأردت الغسل وحينئذ نقول له : نحن نريد ما أراد الله لا ما أراده الّذين : ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا ) [ المائدة : ١٣ ] ويتقولون على الله ويكذبون عليه ، وينسبون إليه النقص والعيب ، وهو المستحق لكلّ كمال أنفس ، وكيف يتجرأ من له دين أن يصرف الآية عن معناها ويسلخها عن وجه دلالتها تبعا لهوى النفس ، الأمر الّذي جعله الآلوسي أصلا يسير عليه في كتابه ، لذا تراه يحمل ظواهر الآيات المحكمات ونصوص القرآن الواضحات على خلاف ما يريد الله تعالى من ظاهرها.
الأمر الرابع : قوله : « إن الجرّ بالجوار وهو في التنزيل كثير الوقوع ، فتئول قراءة الجرّ إلى قراءة النصب ».