وجملة القول : ليس المقام من باب التعارض بعد تسليم تواتر القراءتين وتسليم كون التعارض في قراءة الآية الواحدة في حكم التعارض بين الآيتين ، لوضوح عدم التنافي والتعارض بينهما في شيء ، وأن المتعيّن في كلّ من القراءتين هو وجوب مسح الأرجل.
الأمر الثالث : أما قوله : « يحمل المسح على الغسل » فيرد عليه :
أولا : بالنقض بأن نقول : إذا جاز حمل المسح على الغسل بتقدير اغسلوا قبل بأرجلكم جاز حمل الغسل في الأيدي على المسح بتقدير لفظ امسحوا قبل أيديكم ، وإذا تعدد اللّفظ فلا بأس أن يتعدد المعنى ، ولا يختص ذلك بالآية لو صح شيء من ذلك بل يتعدى إلى غيرها ، فلو قال قائل : قتل زيد وخالد بكرا ، فلا يريد أن خالدا كان شريكا مع زيد في قتل بكر ، ولا يكون قاتلا لبكر مع زيد ولا شيء عليه شرعا ، لأنّا نقدّر كلمة ( أكرم ) قبل خالد ، فالقتل يتعلق بزيد حقيقي والمتعلق بخالد مجازي ، وهكذا كما يزعم ـ الفيلسوف العربي الكبير الآلوسي المهول ـ في لفظ المسح المتعلّق بالرءوس تبعا للأهواء والمشتهيات مما لا يعرفه العرب في محاوراتهم وموارد استعمالاتها ، أللهم إلاّ هذا الآلوسي وأخوه الهندي ، بل لا يذهب إليه أيّ أحد من العرب.
ثانيا : ليس هذا القول من غلطات الآلوسي وحده ، وإنما التقطه من وراء بعض أشياخه من غير تفكير ولا تعقّل ، وهو شيء اخترعه الزمخشري وغيره لما تفطّنوا إلى فساد ما تكلّفوه من العطف للقول بوجوب الغسل ، فاعتذروا عن وقوع عطف الأرجل التي حكمها الغسل على مذهبهم في الآية على الرءوس التي حكمها المسح بأن قالوا : إن المراد بالمسح الغسل وإنما عبّر عنه بلفظ المسح للدلالة على وجوب غسل الأرجل غسلا خفيفا ، هذا تقرير كلام أئمة الآلوسي هذا ، وليس فيهم من يزعم ما زعمه من التعارض بين القراءتين وأنه يحمل المسح على إرادة الغسل ، ولو تفطّن إلى معنى كلامه قبل إيراده لسبق لسانه إلى إختيار ما ذكرنا.
وأما الاعتذار المذكور فهو أشدّ فسادا من العطف على وجوهكم لتصحيح الغسل لكونه من استعمال اللّفظ الواحد ، وهو المسح الموضوع له معنى واحد ،