فيقال فيه : من أين لك أيها الخرّاص أنه لم يرو أحد أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مسح على الرجلين ، إذ لا يجوز لك أن تنفيه وأنت لم تحط به خبرا ، وإذا فعلت ذلك نفيت أشياء كثيرة واردة والجهل بالشيء لا يكون علما بعدمه فكيف ينفي ذلك مع وروده ، أما الشيعة فإنهم يروون عن أئمتهم أعدال كتاب الله وجوب مسحهما ، ولم يرد من طريقهم ما يدلّ على الغسل مطلقا ، وما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام ليخالفوا كتاب الله وهم يتّبعون سوره ويقتفون أثره ، وللشيعة برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الأسوة الحسنة.
وأما أهل السنّة فقد روى جماعة من أعلامهم وجوب مسحهما ، وأن الأمين جبرائيل عليهالسلام نزل من عند الله تعالى بمسحهما وأبى الناس إلاّ غسلهما ، لذا ذهب جماعة كثيرة من علماء أهل السنّة إلى وجوب مسحهما (١) وقد اعترف الآلوسي بذلك ، حيث قال : ( إن وجوب الغسل هو مذهب أكثر أهل السنّة ) وهو يرشد إلى أن الكثير من أهل السنّة ذهبوا إلى وجوب المسح فراجع ( ص : ١٢٤ ). من الجزء الأول من المسند للإمام عند أهل السنّة أحمد بن حنبل ، وفيه : ( أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مسح على ظاهر القدمين ) وفعله حجّة لا فعل غيره ، والحجّة في هذا لأنه متفق عليه بين الفريقين ، وما كان مخالفا له فهو شاذّ لا يلتفت إليه ، وإن صار مذهبا للآلوسي وغيره ، وفي الحديث : ( يد الله مع الجماعة ، فمن شذّ فإلى النّار ) (٢).
وقد ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إلى وجوب مسح القدمين ، فمنهم : سيّد الأئمة من آل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وابن عباس ( حبر الأمة ) وأنس بن مالك ، وبه قال أبو العاليه ، وعكرمة وذهب جماعة إلى التخيير بين المسح والغسل ، منهم : ابن جرير الطبري ، وأبو الحسن البصري ،
__________________
(١) تجد ذلك في ( ص : ١١٨ ) من الجزء الثاني من ميزان الشعراني من الطبعة الثالثة سنة ( ١٣٤٤ ه ).
وفيه يقول : إن جماعة كثيرة من علماء أهل السنّة ذهبوا إلى وجوب المسح على القدمين.
(٢) أخرجه الترمذي في سننه ( ص : ٣٩٠ ) من جزئه الثاني ، والسيوطي في جامعه الصغير ( ص : ١٧٨ ) من جزئه الثاني ، مقتصرا على قوله : ( يد الله مع الجماعة ) ومعناه ثابت الصحّة على ما في سنن الترمذي.