النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا نقص فيه ، وليس الدين إلاّ مجموعة من الأوامر والنواهي متعلّقة بفعل المكلفين أجمعين ، وقد بيّنها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بيانا وافيا شافيا رافعا للجهالة ، ومزيلا لحيرة الضلالة والوقوع في خلاف الحق ، وأعطى الوقائع حكمها كاملا غير منقوض ، ولم يكتم من الشريعة شيئا لا صغيرا ولا كبيرا كما تقدم ذكره عن صحيح البخاري في حديث عائشة ، والقول بالقياس يعني إعطاء الفرع المجهول الحكم حكم الأصل المعلوم الحكم.
وبعبارة أوضح إلحاق مجهول الحكم بمعلوم الحكم ، ومعنى هذا أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ترك حكم الفرع مجهولا أو ترك حكم بعض الوقائع ، وأوكل أمره إلى القياس ليعطيه حكمه ، أو أن دينه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان ناقصا فأعطى القياس صلاحية إكماله ، أو أنه تعالى عند أهل القياس كان عاجزا عن إعطاء حكم الفرع وكان القياس قادرا عليه ، فرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على زعمهم ترك دينه ناقصا ليكملوه بالرأي والقياس ، أو كان عاجزا عن بيانه وهم غير عاجزين عنه ، وكلّ أولئك كفر وضلال وطعن في الله وفي رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ودينه وهل يكون الخروج عن الدين غير هذا.
ومن ذلك كلّه تفقه أن حكم القياس يختلف عن بقية الظنون اختلافا موضوعيا ؛ لأن القياس إعطاء حكم لموضوع ، وبعبارة أخرى القياس عبارة عن جعل حكم لموضوع مجعول لموضوع آخر ، وخبر الواحد وغيره طريق لحكم مجعول معلوم في الواقع ، لذا كان القياس إدخالا في الدين ما ليس ذا خلاف فيه وهو بدعة ضلالة كما جاء التعبير عنه في الحديث المتقدم ذكره : ( وإذا فعلوا ذلك ضلّوا ).
ثم نقول لأهل القياس : إذا كان العمل به فضيلة فلما ذا يا ترى لم يعط الله تعالى هذه الفضيلة لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يأمره به ، وخصّ أهل القياس به دونه صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ ولما ذا يا ترى نهاه عن التقوّل عليه بعض الأقاويل في دينه؟ ولما ذا نزّه نطقه صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الهوى ، وقال فيه : ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) [ النجم : ٣ ـ ٤ ] فهل يا ترى أعطى الله هؤلاء فضيلة القياس في دينه ، والتقوّل عليه في شرعه وحرم نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم منها؟ أو أنه تعالى أعطاهم من الفضل والفضيلة عند ما أباح لهم العمل بالقياس ولم يعط شيئا من ذلك لأحد من العالمين؟ فهل يا ترى أن بينهم