الإفتاء على قيام الدّليل القاطع على جوازه وبعد انسداد سبيله ينتقل إلى الظّن به. ومجرّد الظّن بالواقع لا يقتضيه مع قيام الدّليل الظّني على جواز الإفتاء بظنيّات مخصوصة.
نعم ، إن لم يقم دليل ظنّي على الرّجوع إلى بعض الطّرق ممّا يكتفى به في استنباط القدر اللاّزم من الأحكام وكانت الظّنون متساوية من حيث المدرك في نظر العقل ، كان مقتضى الدّليل المذكور القطع بوجوب العمل بالجميع وجواز الإفتاء بكلّ منها لوجوب الإفتاء حينئذ وانتفاء المرجّح بينها ، وأمّا مع قيام الدّليل الظّني فلا ريب في عدم جواز الرّجوع إلى مطلق الظّن بالواقع.
والحاصل : أنّ الواجب أوّلا ـ بعد انسداد سبيل العلم بالطّريق المجوّز للإفتاء ـ هو الأخذ بمقتضى الدّليل القاضي بالظّن بجواز الإفتاء سواء أفاد الظّن بالواقع أو لا ، ومع انسداد سبيل الظّن به يؤخذ بمقتضى الظّنّ بالواقع ويتساوى الظّنون حينئذ في الحجيّة ، ويكون ما قرّرنا دليلا قاطعا على جواز الإفتاء بمقتضاها » (١). انتهى ما أردنا نقله من كلامه قدسسره.
وأنت خبير : بأنّ المدّعى الواحد لا يختلف باختلاف التعبيرات ؛ ضرورة أنّ الواجب على المفتي في كلّ زمان الإفتاء بالأحكام الواقعيّة أو الظّاهريّة من الطّرق المقرّرة لها وهذا ممّا لم يختلف فيه أحد ، وإنّما الاختلاف في الطّرق.
__________________
(١) هداية المسترشدين : ج ٣ / ٣٨٠ ـ ٣٨٢.