والمنشأ اختلاف الأخبار فإنها مختلفة أشد الاختلاف ، والأقوى أحد القولين الأوّلين ، لجملة مستفيضة من تلك الأخبار ، فإنّها يستفاد منها على اختلاف ألسنتها أن المناط في الإتمام عدم خوف فوت الوقوف بعرفة ، منها قوله (عليه السلام) في رواية يعقوب بن شعيب الميثمي : «لا بأس للمتمتِّع إن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسّر له ما لم يخف فوات الموقفين» ، وفي نسخة «لا بأس
______________________________________________________
وبعبارة اخرى : لازم صحّة إتيان العمرة إلى زوال يوم عرفة عدم اعتبار درك الموقف بتمامه وكفاية دركه مقداراً ما قبل الغروب ، والرواية كما ذكرنا صحيحة سنداً وإن كان محمّد بن عيسى الواقع في السند مردداً بين محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني وبين الأشعري ، لأنّ كلّاً منهما ثقة على الأصح ، ومدلولها يطابق القاعدة المقتضية لصحّة الحج إذا أدرك الموقف بمقدار المسمى وإن لم يستوعب تمام الوقت من الزوال إلى الغروب ، ولذا حكي عن السيّد في المدارك أن الصحيحة نص في المطلوب (١).
ومنها : صحيح الحلبي «عن رجل أهلّ بالحج والعمرة جميعاً ثمّ قدم مكّة والنّاس بعرفات فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف ، قال : يدع العمرة ، فإذا أتم حجّه صنع كما صنعت عائشة ولا هدي عليه» (٢) فإنه دال أيضاً على أن العبرة في العدول عن التمتّع إلى غيره بخوف فوت الموقف وبخشية عدم إدراكه وأمّا إذا أمكنه درك الموقف ولو بمقدار المسمى فلا مجال للعدول.
وربّما قيل : إن الوقوف الواجب إنما هو من الزوال إلى الغروب ، ولا فرق في فوت الموقف بين كون الفائت ركناً أو غيره ، فالعدول إنما يجوز فيما إذا خاف فوت الوقوف في تمام الزمان بين الظهر والغروب.
وفيه أوّلاً : أنه لو تمّ ما ذكر فهو بالإطلاق ، بمعنى أن إطلاق صحيح الحلبي يقتضي كون العبرة في العدول بفوات تمام الموقف من الزوال إلى الغروب ، ولكن صحيح
__________________
(١) المدارك ٧ : ١٧٧.
(٢) الوسائل ١١ : ٢٩٧ / أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ٦.