(السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) الّتي هي أصول الكائنات ومبادئ المنافع (وَأَنْزَلَ لَكُمْ) لأجلكم (مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ) بساتين. من الإحداق ، وهو الإحاطة.
عدل به عن الغيبة إلى التكلّم ، لتأكيد اختصاص الفعل بذاته ، والإيذان بأنّ إنبات الحدائق البهيّة ، المتباعدة الطباع ، المختلفة الأنواع والألوان ، والطعوم والروائح والأشكال ، مع حسنها وبهجتها ، بماء واحد ، لا يقدر عليه إلّا هو وحده. ألا ترى كيف رشح معنى الاختصاص بقوله : (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها).
(ذاتَ بَهْجَةٍ) أي : ذات منظر حسن ، لأنّ الناظر يبتهج به. ولم يقل : ذوات بهجة ، لأنّه أراد جماعة حدائق ذات بهجة ، كما قال : النساء ذهبت. ولو أريد تأنيث الأعيان لقال : ذوات.
(ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) أي : لم تكونوا تقدرون على إنبات شجر الحدائق (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) أغيره يقرن به ، ويجعل له شريكا ، وهو المنفرد بالخلق والتكوين؟! (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) عن الحقّ الّذي هو التوحيد.
(أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً) بدل من (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ). وجعلها قرارا : بإبداء بعضها من الماء وتسويتها ، بحيث يتأتّى استقرار الإنسان والدوابّ عليها.
(وَجَعَلَ خِلالَها) وسطها (أَنْهاراً) جارية ، ينبت بها الزرع ، ويحيا بها الخلق.
(وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ) جبالا ثوابت ، تتكوّن فيها المعادن ، وتنبع من حضيضها المنابع.
(وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ) العذب والمالح ، أو خليجي فارس والروم (حاجِزاً) مانعا من قدرته ، بين العذب والملح ، فلا يختلط أحدهما بالآخر.
(أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) توحيد ربّهم وكمال قدرته وسلطانه ، فيشركون به.