(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) مبلغه الّذي لا يزيد عليه نشؤه. وذلك من ثلاثين إلى أربعين سنة ، فإنّ العقل يكمل حينئذ. وروي : أنّه لم يبعث نبيّ إلّا على رأس الأربعين. (وَاسْتَوى) واعتدل قدّه ، وتمّ استحكام عقله ، بحيث لا يزاد عليه (آتَيْناهُ حُكْماً) نبوّة (وَعِلْماً) بالدين ، من أحكام التوراة ، وسنن الأنبياء وحكمهم. أو علم الحكماء والعلماء وسمتهم قبل استنبائه ، فلا يقول ولا يفعل ما يستجهل فيه. وهذا أوفق لنظم القصّة ، لأنّ استنباءه بعد الهجرة في المراجعة.
(وَكَذلِكَ) مثل ذلك الّذي فعلنا بموسى وامّه (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) على إحسانهم.
(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ) دخل مصرا آتيا من قصر فرعون. وقيل : مدينة منف (١) من أرض مصر. أو اسكندريّة. أو عين شمس من نواحيها. (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) في وقت لا يعتاد دخولها ، ولا يتوقّعونه فيه. وقيل : كان ذلك بين العشاءين. وقيل : وقت القيلولة. وقيل : يوم عيد لهم ، وهم مشتغلون فيه بلهوهم.
وقيل : لمّا شبّ وعقل أخذ يتكلّم بالحقّ وينكر عليهم ، فأخافوه ، فلا يدخل قرية إلّا على تغفّل.
وعن السدّي : أنّه كان موسى حين كبر يركب في مواكب فرعون ، فلمّا جاء ذات يوم قيل له : إنّ فرعون قد ركب ، فركب في أثره ، فلمّا كان وقت القائلة دخل المدينة ليقيل.
وعن ابن إسحاق : إنّ بني إسرائيل كانوا يجتمعون إلى موسى ، ويسمعون كلامه ، ولمّا بلغ أشدّه خالف قوم فرعون ، فاشتهر ذلك منه ، فأخافوه ، فكان لا يدخل مصر إلّا خائفا ، فدخلها على حين غفلة.
__________________
(١) كذا في النسخة الخطّيّة ، ولعلّها منوف. وفي معجم البلدان (٥ / ٢١٦) : منوف : من قرى مصر القديمة.