(قالَتْ إِحْداهُما) يعني : الّتي استدعته (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) اتّخذه أجيرا لرعي الغنم. ثمّ بيّنت علّة جامعة ودليلا واضحا على أنّه حقيق بالاستئجار ، فقالت : (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُ) في العمل (الْأَمِينُ) فيما استودع. فجعل «خير» اسما ، و «القويّ الأمين» خبرا ، دون العكس ، مبالغة وعناية. وذكر الفعل بلفظ الماضي ، للدلالة على أنّه امرؤ مجرّب معروف.
روي : أنّ شعيبا قال لها : وما أعلمك بقوّته وأمانته؟ قالت : أمّا قوّته فلأنّه رفع الحجر العظيم الّذي لا يرفعه إلّا جماعة كثيرة. وأمّا أمانته فإنّه أطرق رأسه حتّى بلّغته رسالتك. وقال لي في الطريق : امشي خلفي فأنا أكره أن تصيب الريح ثيابك ، فتصف لي عجزك.
ولمّا ذكرت من حاله ما ذكرت ، زاده ذلك رغبة فيه (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) من : أجرته إذا كنت له أجيرا ، كقولك : أبوته إذا كنت له أبا ، أي : تكون لي أجيرا (ثَمانِيَ حِجَجٍ) في ثماني سنين. أو من : أجرته كذا إذا أثبته إيّاه. وحينئذ «ثماني حجج» كان مفعولا به على حذف مضاف ، أي : على أن تثيبني رعية ثماني حجج. ومنه تعزية رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «آجركم الله ورحمكم» أي : يثيبكم أجركم وجزاءكم. ومنه : المأجور بمعنى المثاب.
يعني : على أن تجعل جزائي وثوابي إيّاك ، على أن أنكحك إحدى ابنتيّ ، أن ترعى لي ثماني سنين. ولم يلزم منه أنه زوّجه إحدى ابنتيه من غير تعيين ، كما هو المتبادر من الآية ، لأنّ ذلك لم يكن عقدا للنكاح ، بل مواعدة. ولو كان عقدا لقال : قد أنكحتك ، ولم يقل : إنّي أريد أن أنكحك. فالمعنى : أنّ شعيبا بعد تلك المواعدة عيّن إحدى ابنتيه ، وكانت هي الصغرى على الأصحّ ، فزوّجها من موسى باستئجار المدّة المذكورة.
ولمّا منع أبو حنيفة أن يتزوّج امرأة بأن يخدمها سنة مثلا ، بل لا بدّ عنده من