أخر ، ثمّ استأذنه في العود إلى مصر ليزور ووالديه وأخاه ، فأذن له.
(وَسارَ بِأَهْلِهِ) فأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام ، وامرأته في شهرها. فسار في البرّيّة غير عارف بالطريق ، فألجأه المصير إلى جانب الطور الأيمن ، في ليلة شديدة البرودة ، وأخذ امرأته الطلق ، وضلّ الطريق ، وتفرّقت ماشيته ، وأصابه المطر ، فبقي لا يدري أين يتوجّه ، فبينا هو كذلك (آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً) أبصرها من الجهة الّتي تلي الطور.
(قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) بخبر الطريق (أَوْ جَذْوَةٍ) عود غليظ ، سواء كان في رأسه نار أو لم يكن. ولهذا بيّنه بقوله : (مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) تستدفئون بها. وقرأ عاصم بفتح الجيم ، وحمزة بالضمّ ، وغيرهما بالكسر. وكلّها لغات.
(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ) أتاه النداء مبتدأ (مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ) من الجانب الأيمن للوادي (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) متّصل بالشاطئ ، أو صلة لـ «نودي». وهي البقعة الّتي قال الله تعالى فيها لموسى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (١).
وإنّما كانت مباركة ، لأنّها معدن الوحي والرسالة وكلام الله تعالى. أو لكثرة الأشجار والأنهار والثمار والنعم بها. والأوّل أصحّ.
(مِنَ الشَّجَرَةِ) بدل من «شاطئ» بدل الاشتمال ، لأنّها كانت نابتة على الشاطئ.
(أَنْ يا مُوسى) أي : يا موسى (إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) هذا وإن خالف ما في طه (٢) والنمل (٣) لفظا ، فهو طبقه في المقصود ، أي : موجد الكلام لك هو الله مالك
__________________
(١) طه : ١٢.
(٢) طه : ١١ ـ ١٢.
(٣) النمل : ٨ ـ ٩.