العالمين ، وخالق الخلائق أجمعين ، تعالى وتقدّس عن أن يحلّ في محلّ ، أو يكون في مكان ، لأنّه ليس بعرض ولا جسم.
(وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) فألقاها من يده ، فصارت ثعبانا عظيما واهتزّت (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) في فرط السرعة مع عظم الجثّة ، فاغرة فاها ، ابتلعت كلّ ما أصابت من حجر وشجر (وَلَّى مُدْبِراً) منهزما من الخوف (وَلَمْ يُعَقِّبْ) ولم يرجع إلى ذلك الموضع. فنودي (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) عن المخاوف ، فإنّه لا يخاف لديّ المرسلون.
كرّر هذه القصّة في السور تقريرا للحجّة على أهل الكتاب ، واستمالة بهم إلى الحقّ. ومن أحبّ شيئا أحبّ ذكره. والقوم كانوا يدّعون محبّة موسى ، وكلّ من ادّعى اتّباع سيّده مال إلى من ذكره بالفضل. على أنّ كلّ موضع من مواضع التكرار لا تخلو من زيادة فائدة.
(اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) أي : أدخلها فيه (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي : من غير عيب ، كالبرص.
روي : أنّه لمّا قلب الله العصا حيّة ، فزع موسى واضطرب فاتّقاها ببسط يديه ، كما يفعل الخائف من الشيء. فقيل له : إنّ اتّقاءك ببسط يدك فيه غضاضة (١) عند الأعداء ، فإذا ألقيتها فتنقلب حيّة لا تفزع (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ) يديك المبسوطتين تتّقي بهما الحيّة كالخائف الفزع ، بإدخال اليمنى تحت عضد اليسرى وبالعكس.
(مِنَ الرَّهْبِ) من أجل الرهب ، أي : إذا عراك الخوف فافعل ذلك تجلّدا وضبطا لنفسك ، فإنّك آمن من ضررها. أو بإدخالهما في الجيب. فيكون التكرير لاختلاف الغرضين. وذلك لأنّ الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء ، وفي الثاني
__________________
(١) أى : ذلّة ومنقصة.