وملخّص المعنى : أنّ فرعون وجنوده رفعوا أنفسهم في الأرض فوق مقدارها بالباطل والظلم ، وأنفوا وتعظّموا عن قبول الحقّ في اتّباع موسى.
(وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ) بالنشور.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي بفتح الياء وكسر الجيم.
(فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) فطرحناهم في البحر ، كما مرّ بيانه.
وفيه فخامة وتعظيم لشأن الآخذ ، واستحقار للمأخوذين. كأنّه أخذهم وإن كانوا الكثر الكثير والجمّ الغفير ، وطرحهم في اليمّ ، كما أخذ آخذ بحصيات في كفّه فطرحهنّ في البحر. ونظيره : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (١). وما هي إلّا تصويرات وتمثيلات لاقتداره ، وأنّ كلّ مقدور وإن عظم وجلّ فهو مستصغر إلى جنب قدرته.
(فَانْظُرْ) يا محمّد ، أي : تفكّر وتدبّر وانظر بعين قلبك (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) كيف أخرجناهم من ديارهم وأغرقناهم ، وحذّر قومك عن مثلها.
(وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً) قدوة للضلال بالتخلية ومنع الألطاف الصارفة عنه ، حتّى صمّموا على الكفر ، وصاروا أئمّة فيه ، دعاة إلى الكفر وسوء عاقبته. أو بالتسمية والدعوة ، كقوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (٢). والمعنى : دعوناهم أئمّة.
(يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) دعاة على وجه الاستمرار إلى موجباتها من الكفر والمعاصي ، كما يدعى خلفاء الحقّ أئمّة دعاة إلى الجنّة. ومن ذلك قولك : جعله بخيلا وفاسقا ، إذا دعاه وقال : إنّه بخيل وفاسق.
(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) بدفع العذاب عنهم ، كما ينصر الأئمّة الدعاة إلى الجنّة.
(وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) طردا عن الرحمة. أو لعن اللاعنين ، بأن
__________________
(١) الزمر : ٦٧.
(٢) الزخرف : ١٩.