الْأَرْضِ) (١) فإنّ معناه : بما ليس فيهنّ. وذلك لأنّ العلم تابع للمعلوم ، لا يتعلّق به إلّا على ما هو عليه ، فإذا كان الشيء معدوما لم يتعلّق به موجود. ومن ثمّ كان انتفاء العلم بوجوده ، لا انتفاء وجوده. وعبّر عن انتفاء وجوده بانتفاء العلم بوجوده.
وعلى هذا يكون «لأظنّه» بمعنى : لأعلمه. ويكون بناء الصرح مناقضة لما ادّعاه من العلم واليقين ، وقد خفيت على قومه ، لغباوتهم وفرط جهلهم. أو لم تخف عليهم ، لكن كلّ واحد كان يخاف على نفسه من سوطه وسيفه.
روي : أنّه لمّا أمر ببناء الصرح ، جمع هامان العمّال حتّى اجتمع خمسون ألف بنّاء ، سوى الأتباع والأجراء. وأمر بطبخ الآجرّ والجصّ ، ونجر الخشب ، وضرب المسامير. فشيّدوه حتّى بلغ ما لم يبلغه بنيان أحد من الخلق. وكان الباني لا يقدر أن يقوم على رأسه يبني ، فبعث الله جبرئيل عند غروب الشمس ، فضربه بجناحه فقطّعه ثلاث قطع ، وقعت قطعة على عسكر فرعون فقتلت ألف ألف رجل ، ووقعت قطعة في البحر ، وقطعة في المغرب ، ولم يبق أحد من عمّاله إلّا قد هلك.
ويروى في هذه القصّة : أنّ فرعون ارتقى فوقه فرمى بنشّابة (٢) نحو السماء ، فأراد الله أن يفتنهم ، فردّت إليه وهي ملطوخة بالدم. فقال : قد قتلت إله موسى. فلأجل تلك الكلمة بعث الله جبرئيل لهدمه على الطريق المذكور.
(وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) بغير استحقاق ، فإنّ الاستكبار بالحقّ إنّما هو لله عزوجل ، وهو المتكبّر على الحقيقة ، أي : المتبالغ في كبرياء الشأن. قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما حكى عن ربّه : «الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار». وكلّ مستكبر سواه فاستكباره بغير الحقّ.
__________________
(١) يونس : ١٨.
(٢) النشّابة : السهم.