الدنيا مجازا إلى الآخرة. والمقصود منها بالذات هو الثواب ، وأمّا العقاب فإنّما قصد بالعرض ، لأنّ عاقبة الشرّ لا اعتداد بها عند الله ، لأنّها من نتائج تحريف الفجّار الّذي هو خلاف ما وضع الله الآخرة له. فكان العاقبة الأصليّة إنّما هي عاقبة الخير ، ولهذا اختصّت خاتمتها بالخير بهذه التسمية ، دون خاتمتها بالشرّ.
وقرأ حمزة والكسائي : يكون بالياء ، لأنّ تأنيث العاقبة غير حقيقيّ.
(إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) لا يفوزون بالهدى في الدنيا ، وحسن العاقبة في العقبى.
(وَقالَ فِرْعَوْنُ) منكرا لما أتى به موسى من آيات الله لمّا أعياه الجواب ، وعجز عن محاجّته (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) يريد أشراف قومه (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) نفى علمه بإله غيره ، دون وجوده ، إذ لم يكن عنده ما يقتضي الجزم بعدمه. ولذلك أمر ببناء الصرح ليصعد إليه ويتطّلع على الحال ، فقال : (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ) فأجّج النار (عَلَى الطِّينِ) واتّخذ الآجرّ.
عن قتادة : أنّه أوّل من اتّخذ الآجرّ. ولذا لم يقل : اطبخ لي الآجرّ ، بل أمره باتّخاذه على وجه يتضمّن تعليم الصنعة. وأمر هامان ـ وهو وزيره ورديفه ـ بالإيقاد على الطين ، منادى باسمه بـ «يا» في وسط الكلام ، دليل التعظّم والتجبّر.
(فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً) قصرا وبناء عاليا (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) أي : أصعد إليه ، وأشرف عليه ، وأقف على حاله. وهذا تلبيس من فرعون ، وإيهام على العوام أنّ الّذي يدعو إليه موسى يجري مجراه في الحاجة إلى المكان والجهة. أو توهّم هو أنّه لو كان إله غيره لكان جسما في السماء ، يمكن الترقّي إليه.
ثمّ قال : (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) في ادّعائه إلها غيري ، وأنّه رسوله.
ويجوز أن يكون مراده بنفي علمه بإله غيره نفي وجوده. ومعناه : ما لكم من إله غيري ، كما قال عزّ وعلا : (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي