(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) أقوام نوح وهود وصالح ولوط (بَصائِرَ لِلنَّاسِ) أنوارا لقلوبهم ، أي : حججا ساطعة وبراهين نيّرة ، تتبصّر بها الحقائق ، وتميّز بين الحقّ والباطل. ونصبه على الحال. والبصيرة : نور القلب الّذي يستبصر به ، كما أنّ البصر نور العين الّذي تبصر به.
(وَهُدىً) وإرشادا إلى الشرائع الّتي هي سبل الله (وَرَحْمَةً) لأنّهم لو عملوا بها نالوا رحمة الله (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ليكونوا على حال يرجى منهم التذكّر والاتّعاظ ، أو إرادة أن يتذكّروا مشبّهين الإرادة بالترجّي ، فاستعير لها.
عن أبي سعيد الخدريّ ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «ما أهلك الله قوما ، ولا قرنا ، ولا أمّة ، ولا أهل قرية ، بعذاب من السماء ، منذ أنزل التوراة على وجه الأرض ، غير أهل القرية الّذين مسخوا قردة ، ألم تر أنّ الله تعالى قال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) الآية».
(وَما كُنْتَ) ما كنت حاضرا يا محمّد (بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) يريد الطور أو الوادي ، فإنّه كان في شقّ الغرب. وهو المكان الّذي وقع فيه ميقات موسى ، وكتب الله له في الألواح. (إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) إذ أوحينا إليه ـ الأمر ، أو عهدنا إليه ، وأحكمنا الأمر الّذي أردناه من الرسالة إلى فرعون وقومه.
(وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) للوحي إليه ، أو على الوحي إليه وهم النقباء السبعون المختارون للميقات ـ حتّى تقف من جهة المشاهدة على ما جرى من أمر موسى عليهالسلام في ميقاته ، وكتبة التوراة له في الألواح ، وغير ذلك ، فتخبر قومك به عن مشاهدة وعيان.
والمراد الدلالة على أنّ إخباره عن ذلك من قبيل الإخبار عن المغيّبات الّتي لا تعرف إلّا بالوحي ، ولذلك استدرك عنه بقوله : (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً) أي : ولكنّا أوحينا إليك ، لأنّا أنشأنا قرونا مختلفة بعد موسى (فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ) على القرن