الّذي أنت فيهم (المر) أمد انقطاع الوحي عنهم. فحرّمت الأخبار ، وتغيّرت الشرائع ، واندرست العلوم. فوجب إرسالك إليهم ، فأرسلناك وعلّمناك قصّة موسى عليهالسلام ، وغيرها من قصص الأنبياء. كأنّه قال : وما كنت شاهدا لموسى وما جرى عليه ، ولكنّا أوحيناه إليك. فذكر سبب الوحي ـ الّذي هو إطالة الفترة ـ وأقامه مقام مسبّبه ، على عادة الله في اختصاراته.
(وَما كُنْتَ ثاوِياً) مقيما (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) وهم شعيب والمؤمنون به (تَتْلُوا عَلَيْهِمْ) تقرأ عليهم تعلّما منهم. قال مقاتل : معناه : لم تشهد أهل مدين ، فتقرأ على أهل مكّة (آياتِنا) الّتي فيها قصّتهم (وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) ولكنّا أرسلناك ، وأخبرناك بها ، وعلّمناكها. فيدلّ ذلك على صحّة نبوّتك.
(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا) قيل : المراد به وقت ما أعطاه التوراة ، وبالأوّل حينما استنبأه ، لأنّهما المذكوران في القصّة. وقيل : بالعكس.
(وَلكِنْ) علّمناك (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً) متعلّق بالفعل المحذوف (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) لوقوعهم في فترة بينك وبين عيسى. وهي خمسمائة وخمسون سنة. أو بينك وبين إسماعيل ، على أنّ دعوة موسى وعيسى كانت مختصّة ببني إسرائيل وما حواليهم. (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) لكي يتّعظوا ويتفكّروا ويعتبروا ، فيتنزّهوا عن المعاصي.
وفي هذا دلالة على وجوب فعل اللطف ، فإنّ الإنذار والدعوة لطف من الله تعالى مقرّب منه.
(وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) «لولا» الأولى امتناعيّة ، وجوابها محذوف ، وهو : ما أرسلناك. والثانية تحضيضيّة. والفاء الأولى للعطف ، والأخرى جواب «لولا» ، لكونها في حكم الأمر ، من قبل أنّ الأمر باعث على الفعل ، والباعث والمحضّض من واد واحد.