والمعنى : لو لا قولهم إذا أصابتهم عقوبة بسبب كفرهم ومعاصيهم : ربّنا هلّا أرسلت إلينا رسولا يبلّغنا آياتك (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) يعني : الرسول المصدّق بنوع من المعجزات (وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) من المصدّقين ، لمّا أرسلناك ، أي : إنّما أرسلناك قطعا لعذرهم ، وإلزاما للحجّة عليهم. وهو في معنى قوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (١).
إن قيل : كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا القول ، لدخول حرف الامتناع عليها لا على القول؟
أجيب : أنّ القول هو المقصود بأن يكون سببا لإرسال الرسل ، لكن العقوبة لمّا كانت هي السبب للقول ، وكان وجوده بوجودها ، جعلت العقوبة كأنّها سبب الإرسال بواسطة القول ، فأدخلت عليها «لولا» ، وجيء بالقول معطوفا عليها بالفاء المعطية معنى السببيّة ، المنبّهة على أنّ القول هو المقصود بأن يكون سببا ، وأنّه لا يصدر عنهم حتّى تلجئهم العقوبة ، فيؤول معناه إلى ما فسّرناه.
(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) وهو الرسول المصدّق بالكتاب المعجز مع سائر المعجزات ، وقطعت معاذيرهم ، وسدّ طريق احتجاجهم (قالُوا) اقتراحا وتعنّتا (لَوْ لا أُوتِيَ) هل أوتي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم (مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) من نزول الكتاب جملة واحدة ، واليد ، والعصا ، وفلق البحر ، وغيرها من الآيات.
فاحتجّ عليهم بقوله : (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا) يعني : أبناء جنسهم ، ومن مذهبهم مذهبهم وعنادهم عنادهم. وهم الكفرة في زمن موسى. (بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) من قبل وجودك ونزول القرآن.
(قالُوا سِحْرانِ) أي : موسى وهارون. وعن ابن عبّاس : موسى
__________________
(١) النساء : ١٦٥.